ولد رحمه الله في مكة المكرمة عام 1308ه، وتربى في عائلة كريمة فاضلة، التحق وهو صغير بأحد الكتاتيب وتعلم فيها القراءة والكتابة، وبدأ في حفظ القرآن الكريم حتى وصل العاشرة من عمره، إذ إنه في تلك الفترة سافر إلى مصر والتحق بإحدى المدارس المصرية بالاسكندرية، فتعلم هناك علوم اللغة والرياضيات، ثم عاد رحمه الله بعد بضع سنوات إلى مكة المكرمة فأخذ يأخذ عن علماء ومشايخ المسجد الحرام، ممن يدرس فيها من أهلها أو من الوافدين إليها من كبار العلماء من شتى الديار الإسلامية، فكان يواظب على حضور الدروس ويلازم الحلقات، ومن مشايخه آنذاك الشيخ محمد علي مالكي، والشيخ جمال مالكي، والشيخ مشتاق أبو أحمد الهندي، قرأ على هؤلاء وغيرهم علوم الفقه والتفسير والحديث.
بعد أن تلقى الشيخ علما كافيا عيّن مدرسا بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة وذلك عام 1330ه، واستمر يدرس فيها كما شارك في تأليف كتب في السيرة النبوية والحديث، وتدرّج إلى أن عيّن مديراً للفلاح عام 1335ه، وفي عام 1337ه اختير رحمه الله مديرا لمالية مدينة جدة وبقي فيها حتى عام 1343ه إذ تولى في هذا العام منصب وزير المالية وذلك في عهد الشريف علي بن الحسين.
في عام 1343ه رحل إلى بلاد الهند، ثم انتقل إلى جاوا واستقبل فيها استقبالا كريما، وكان ينشر فيها في بعض الصحف مقالات اجتماعية وسياسية، ثم انتقل إلى اليمن وزار فيها عدن وحضرموت، وشارك مع أخيه حسين الدباغ في تأسيس مدرسة الفلاح بها، وهي أول مدرسة نظامية مهمة في تلك المنطقة، ثم رحل منها إلى عدد من الدول منها مصر والعراق واندونيسيا وماليزيا، مما أثرى تجربته وخبرته واطلع على ثقافات عديدة.
كان رحمه الله من زعامات النخب الوطنية في الحجاز، وكان أمين عام الحزب الحجازي الوطني، والذي دعى إلى تنازل الشريف حسين ملك الحجاز عن الحكم سلماً، وبعد أن ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى مملكته التي بدأ يبنيها سافر الدباغ مع من سافر إلى خارج المملكة -وكثير منهم عادوا لبناء وطنهم بعد أن طلبهم الملك عبدالعزيز واحتواهم- سافر الدباغ إلى مصر وانضم إلى حزب الأحرار الحجازي، إلا أن الملك عبدالعزيز راسل المغادرين بحنكته، وطلب منهم الرجوع والمساهمة في تنمية البلد بخبرتهم وعلمهم، فرجع كثير منهم وتبوأ كثير منهم المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية، وكان من أول العائدين محمد طاهر الدباغ حيث استقبله الملك عبدالعزيز ورحب به وأسند إليه مهمة إدارة المعارف وذلك بمرسوم ملكي عام 1354ه، ومنذ أن استلم الدباغ مهمة التعليم في المملكة ساهم فيه مساهمة كبيرة، وعمل على نشر التعليم في سائر المناطق من إدارته الواقعة بمكة، فافتتح المدارس الابتدائية النظامية في نجد، والقصيم وشقراء ومنطقة الحجاز، كما عمل على تعديل المناهج وتطويرها بما يتناسب مع المناهج في غالب البلدان، وطوّر طباعاتها ومضامينها، وهو أول من دمج المرحلة التحضيرية والابتدائية بمرحلة واحدة لتصبح ست سنوات، وهو المعمول به إلى الآن، وكان لخبرته التي اكتسبها من خلال زياراته العديدة لبدان أخرى أثر كبير في عمله في التعليم، كما قام رحمه الله بجانب افتتاحه الكثير من المدارس يدعم المدارس الموجودة ويطورها، وكان يدعم المعهد العلمي بمكة المكرمة؛ حتى يكون مؤهلا لتخريج قضاة ومدرسين، كما أنشأ مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة، وهي الاولى من نوعها في المملكة إذ أنها مختصة بتأهيل الخريجين لاستكمال الدراسة خارج المملكة عبر الابتعاث إلى جامعات مصر، وقد ساهم خريجو هذه المدرسة والعائدون من الابتعاث بالنهوض بالمملكة العربية السعودية وشغلوا مناصب رفيعة في البلاد.
نشطت فكرة الابتعاث في عهده، كما وضع فكرة استقدام المدرسين من خارج المملكة من أصحاب الكفاءات العالية، فاستقدم في بادئ الأمر أربعة مدرسين من مصر سنة 1375ه وكان في مقدمتهم الأستاذ محمد رشوان، وقد احتفلت بهم المعارف في بهو فندق مصر بأجياد، وحضر الحفل كبار رجالات الدولة، وكما اعتنى رحمه الله بتأسيس مدرسة تحضير البعثات فقد عني أيضا بتهئية دار البعثات بالقاهرة، وكانت الدار تستقبل الطلبة المبتعثين وتهيء لهم المسكن والطعام.
ومما يذكر له في التعليم في المملكة أنه أنشأ مناهج خاصة لتدريب المعلمين وتأهيلهم وفق الأسس التربوية الحديثة، كما كان سعى إلى تجهيز المدارس تجهيزا لائقا وفق أحدث التقنيات ومنها إدخاله لأول معمل كيميائي، كما أدخل مواد الرسم والهندسة ومادة التربية البدنية، وجهز المدرسة بالأجهزة اللازمة لهذه المادة، كما أنشأ سكنا للطلاب الوافدين للدراسة في مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي.
كما أن للدباغ دورًا في تأسيس مدرسة لتعليم أمراء الأسرة الحاكمة في الرياض وهي مدرسة الأنجال، كما أنه شجع نشوء المدارس الأهلية حتى تخفف الحمل على الحكومة وتقوم بدور فعال في محو الأمية في البلاد، وإنشاء جيل واع متعلم، كما قام رحمه الله بإدخال الحركة الكشفية إلى المدارس، وكانت الكشافة تقوم بتقديم العون للحجاج والمعتمرين وزوار الحرمين الشريفين، فكان عهد الدباغ في التعليم عهدا مميزا نشطت فيه حركة المدارس، وهو واضع اللبنة الأولى للتعليم النظامي في المملكة، وهو من أدخل الأفكار العظيمة كالبعثات والكشافة وغيرها مغيرا بذلك نمط المدارس التقليدية في المملكة العربية السعودية آنذاك.
ونظرا لخبرته الكبيرة وجهوده العظيمة تم تعيينه عضوا لمجلس الشورى من عام 1365ه إلى عام 1371ه، واستمر رحمه الله يقوم بخدمة بلاد الحرمين حتى توفي رحمه الله في الثامن عشر من شهر رجب عام 1378ه، بعد معاناة مع مرض لازمه وانتقل على إثره إلى القاهرة وتوفي ودفن هناك.
في عام 1427ه أقامت جامعة أم القرى بمكة المكرمة حفلاً تكريمياً للسيد "محمد طاهر الدباغ" تكريما لما قدم من خدمات جليلة للتعليم في المملكة العربية السعودية، وقد كان الحضور كثيرا وحضر الأمير -آنذاك- سلمان بن عبدالعزيز وألقى محاضرة حول والده تطرق فيه إلى محمد الدباغ، وكان الحفل قد سلط فيه الضوء على سيرته العلمية والعملية والجهود التي بذلها في خدمة العلم وأهله في المملكة العربية السعودية.
مصادر ترجمته:
1/ أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة لمحمد علي مغربي، دار تهامة. (1/ 271-278).
2/ سير وتراجم لعمر عبدالجبار، دار تهامة، الطبعة الثالثة 1403هـ (282-285)
3/ صحيفة الشرق الأوسط الخميس - 19 رجب 1436 هـ
https://aawsat.com/home/article/353951/%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D8%A3%D8%B3%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
4/ موقع المعرفة http://www.marefa.org/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B7%D8%A7%D9%87%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D8%A7%D8%BA
5/ صحيفة الأيام العدد 9567 الجمعة2 رمضان 1436
http://www.alayam.com/Article/courts-article/399501/%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9.html
6/ صحيفة الرياض. لثلاثاء 24 شوال 1438ه
http://www.alriyadh.com/962895
7/ جريدة الجزيرة السبت 03 ديسمبر 2016
http://www.al-jazirah.com/2016/20161203/cm42.htm
8/اثنينية عبدالمقصود خوجة
http://www.alithnainya.com/tocs/default.asp?toc_id=6061&toc_brother=-1
ترجمة خاصة لموقع علماء مكة الخيري أعدها إبراهيم محمد صديق