نشأ بمكة المكرمة وتلقى فيها تعليمه على علمائها، فدرس مبادئ العلوم الشرعية على بعض مدرسي الحرم المكي، ثم التحق بالمدرسة العسكرية-وهي أول مدرسة حربية أنشئت في بلاد العرب- فدرس فيها وتخرج منها ليصبح ضابطا، وذلك في عهد الشريف حسين.
حينما تولى الملك عبدالعزيز حكم الحجاز غادر ممن غادر الحجاز في ذلك الوقت من أعيان وعلماء مكة-والذين ردهم الملك عبدالعزيز فيما بعد- فرحل إلى صنعاء عام 1342ه وأقام فيها سنة كاملة أفاد فيها صنعاء ووضع أول أساس للتعليم المنهجي، وهو الذي أدخل في برامج التعليم الهندسة والجغرافيا، وعلم سلطان المكلا بحضر موت بنشاطه فبعث إليه برسالة يرجوه فيها أن يحضر إليه ليفيد بلاده في التربية والتعليم، فسافر إلى عدن ثم المكلا وأقام بها ثلاث سنوات وضع فيها أساس التعليم الصحيح، وفتح عدة مدارس وأوجد في المكلا خلال الثلاث سنوات حركة تعليمية شديدة النشاط والقوة، وصنع نهضة علمية قوية، وفي أثناء ذلك وردته رسالة من اندونيسيا يخبره صاحبها بأن اندونيسيا تتعرض لحملة تبشيرية من النصارى وأن المسلمين هناك بحاجة ماسة إلى من يوحد صفهم، ويثبتهم على الحق، فاستأذن السلطان ورحل إلى اندونيسيا عام 1346ه فاستقبله العرب النازحون إليها والقاطنين بها من علماء وأفراد وقد اصطحب معه مئات النسخ من القرآن الكريم وزعها هناك على مدن اندونيسيا، كما اصطحب مكتبته وجعلها وقفا لأهل العلم، ولما زار مدن وقرى اندونيسيا رأى حاجة الناس الماسة إلى القرآن الكريم فأرسل إلى السيد عبدالحميد الخطيب مبلغا من المال واشترى بذلك آلافا من نسخ المصحف ووزعها في مدن وقرى اندونيسيا، كما وزع مع المصحف كتابا في المطالعة.
جلس رحمه الله في اندونيسيا يتصدى للنصرانية ويثبت المسلمين على دينهم، وأخذ ينتقل من قرية إلى أخرى يخطب في الناس ويعلمهم دينهم ويحذرهم من الشرك والنصرانية، وقد لقي مقاومة من جماعات التنصير إلا أنه صمد أمامها، وأثناء تواجده هناك أسس الجماعات لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم العربية، وألف العديد من الكتب وأنشأ الكثير من المدارس، ويعتبر من أوائل المؤلفين للكتب الدراسية للأطفال باللغة العربية في تلك الديار النائية، وقد أمضى قرابة عشر سنوات في التأليف، يقول رحمه الله في كتابه "سير وتراجم" : (حين ترجم لمحمد الدباغ: (وضعت كتباً مدرسية للمدارس العربية في إندونيسيا تتمشى مع رغبتهم، وبيئتهم فلقيت من تشجيع السيد محمد طاهر الدباغ -رحمه الله- ما حفزني إلى متابعة التأليف والنشر والطبع، ومثله من يقدر، ويشجع على ما فيه الصالح العام) وكان قد فتح تجارة بها ففتح الله عليه من الرزق فأصبح يصرف أموال الربح في الحركة الإصلاحية والدعوة إلى الله، فأنشأ جيلا كاملا من الوعاظ والمدرسين والدعاة إلى الله.
في عام 1356ه اجتمع الآلاف من الاندونيسين ليودعوا المترجم له حيث كان عائدا إلى المملكة العربية السعودية، وذلك بعد أن عرف تعامل الملك عبدالعزيز رحمه الله مع من خرج من مكة إبان تولي الملك عبدالعزيز حكمها، فقد بلغه أنه دعاهم وأكرمهم وأشركهم في بناء الحكومة الجديدة، فرجع إلى مكة المكرمة وافتتح مكتبة علمية في باب السلام، ثم عين مديرا للأيتام، ثم نقل للعمل في وزارة المعارف وذلك لخبرته في المجال التعليمي، وخبرته التي امتدت سنين عديدة في إنشاء وإدارة المدارس، كما انتقل بين عدة مناصب منها: مساعد مدير المعهد العلمي السعودي، ومدير شرطة الآداب، وضابط بالأمن العام، ومفتش في أمانة العاصمة بمكة، ومدير عام للجوازات.
في ذلك الوقت لم تكن في المملكة العربية السعودية أي مدرسة للفتيات، وهو رحمه الله له تجارب في فتح عدد من مدارس البنات، وبحكم خبرته ومعايشته للأوضاع التعليمية في عدد من الدول أدرك ضرورة فتح مدارس للبنات في المملكة العربية السعودية، فأخذ منذ عام 1365ه يقنع الناس بضرورة فتح مدارس خاصة للبنات يتلقين فيه التعليم عوضا عن تعليم الكتاتيب النسائية والتي كانت منتشرة بأسماء مدرساتها غالبا، أما أصحاب المال والمناصب فكانوا يرسلون بناتهم للتعلم خارج المملكة العربية السعودية، وفي عام 1378ه جمع مجلس بينه وبين بعض الفضلاء منهم الشيخ حسين عرب فطرحوا موضوع الفتاة السعودية ودورها في هذه النهضة العلمية والعمرانية التي تشهدها المملكة، ووصلوا إلى ضرورة فتح مدارس للبنات وازاداد المترجم له قناعة بضرورة فتح مدارس للبنات، وعقد العزم على طرح الفكرة بشكل أكبر من ذي قبل رغم أن المجتمع في ذلك الوقت لم يكن ليتقبل الفكرة بسهولة كما أنها خطوة لم يتخذها أحد في البلاد من قبل، لكن المترجم له تشجع لذلك وطرح الفكرة بين أوساط العلماء والمثقفين ووجد تأييدا من بعض كبار العلماء كالشيخ عبدالله خياط، كما أيده على ذلك الأمير عبدالله الفيصل والذي كان يشغل منصب نائب جلالة الملك لسنوات، فأخذ يعد العدة لفتح أول مدرسة للبنات في المملكة العربية السعودية، وكان له ما أراد عام 1378ه حيث افتتح أول مدرسة للبنات وهي مدرسة الزهراء، أنشأها بنفقته الخاصة وكان كثيرا ما يدفع للطالبات المحتاجات ما تستطيع به شراء ملابس المدرسة، كما أنه كان لا يأخذ الرسوم عن كثير من الطالبات اللاتي لايستطعن دفع الرسوم، فكان رحم الله أبا رحيما همه إبلاغ هذا العلم وإنشاء جيل واع مثقف.
وكانت هذه المدرسة تتطلب تجهيزا خاصًا بها حيث أن المدارس مثلها غير معهود، وتحتاج مدارس الفتيات إلى أشياء غير موجودة في مدارس البنين كغرف الخياطة، والطهي والتدبير المنزلي وغير ذلك، فبذل جهدا كبيرا في إعداد المدرسة بالشكل اللائق، وكان يشجع الطالبات عبر مديرة المدرسة على التفوق والجد والاجتهاد، فقد كان يقيم حفل تكريم نهاية كل عام، كما أنه ساهم عبر هذه المدرسة في إبراز القدرات والمواهب الفكرية، فقد أنشأت المدرسة مجلة خاصة تصدرها المدرسة وتحتوي على مقالات وطرائف من إعداد الطالبات، كما أقامت المعارض التي تبرز إنتاج الطالبات في الخياطة والرسم والطهي وغيرها.
كما قام رحمه الله دعما للطالبات بتوفير الباصات التي تنقل الطالبات من بيوتهن إلى المدرسة، وكان رحمه الله يشرف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة، ويسافر ليتعاقد مع الكفاءات العلمية المناسبة للمدرسة.
ولم يكن رحمه الله منشئا لأول مدرسة نظامية للبنات فقط، بل كان يمارس عمله في تبسيط المعرفة للطلاب من خلال تأليف الكتب المدرسية المناسبة لهم، فقد وضع (الحساب الحديث مقرر للسنة الخامسة الابتدائية ) و(المحفوظات لطلبة السنة السادسة الابتدائية)، ومقرر (منهاج الصحة للسنة السادسة الابتدائية)، كما قام رحمه الله بتأليف كتب مبسطة للأطفال وهادفة، وذلك لبناء شخصية الطفل وتكوينه تكوينا إسلاميا وفق القيم والأخلاق الإسلامية.
كان رحمه الله محبا للثقافة والعلم، وكان رائدا في تأليف الكتب المدرسية، كما أنه كان يسعى لنشر بعض الكتب من غير مؤلفاته إسهاما منه في دفع عجلة العلم والثقافة في البلاد، فكان من الكتب التي طبعت بنفقته "حياة سيد العرب"، "وتاريخ الكعبة"، "وتاريخ المسجد الحرام"، وغيرها، كما كان رحمه الله عضوا في مؤسسة مكة للطباعة.
كان رحمه الله عالما فاضلا ويحفظ الكثير من الشعر العربي، وكانت له ذاكرة قوية وكان يحفظ مئات الأحاديث النبوية وبعض خطب النبي عليه السلام ، كماكان ذا قيم عالية وأخلاق نبيلة، قال عنه أحمد عبدالغفور عطار : (كان من أصحاب المبادئ والقيم والأخلاق الإنسانيىة الرفيعة، وقف نفسه لخدمة وطنه والمسلمين في خير الميادين وبأبر الأعمال ميدان الدعوة ونشر مزايا الإسلام ونشأ نشأة صالحة)
توفي رحمه الله بمكة المكرمة في السادس عشر من محرم عام 1391ه ودفن بمعلاة بمكة المكرمة.
ومن أعظم كتبه التي تركها بعد وفاته هو كتاب (سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة)، طبع مرات عديدة، ويعد مرجعا للباحثين وكتابا مهما في بابه، وقد تناول جوانب مهمة من مسيرة العلماء الذين ترجم لهم قال الاستاذ عبدالقدوس الانصاري رحمه الله عن ذلك الكتاب انه منقبة سيذكرها تاريخ هذه البلاد بكل تقدير للمؤلف وسيكون هذا الكتاب عندها مرجعاً علماً قيماً ويدخل مؤلفه الفاضل التاريخ بعد حياة طويلة من باب اعتقد انه ضيق.
مصادر ترجمته
1/ موقع عائلة آل عبدالجبار كتب فيه أ.د. عادل بن صلاح عمر عبدالجبار والأستاذه تهاني عمر يحيى عبدالجبار سيرة عن المترجم له:
http://www.abduljabbarfamily.com/OYAMA.htm
2/ موقعه الرسمي
http://omarabduljabbar.com/index.php/ar/pages/about/1
3/ المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم، لإبراهيم بن محمد بن ناصر السيف، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1426ه. (4/472-484)
4/ الأعلام للزركلي. دار العلم للملايين الطبعة الخامسة عشر 2002م (5/49-50)
5/ مقدمة سير وتراجم لعمر عبدالجبار، دار تهامة، الطبعة الثالثة 1403هـ، بقلم عبدالقدوس الأنصاري (17-18)
6/ عكاظ السبت / 10 / شعبان / 1438 هـ
http://okaz.com.sa/article/1544780/%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86/%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1
7/ جريدة الرياض
الجمعة 27 جمادى الأولى 1438 هـ - 24 فبراير 2017م
http://www.alriyadh.com/1573311
ترجمة خاصة لموقع علماء مكة الخيري أعدها إبراهيم محمد صديق