نشأته وبداية طلب العلم:
علي بن عبدالله بن صالح بن عبدالله بن ناصر بن جابر بن علي جابر السعيدي، وهذه العائلة تنتمي إلى الموسطة اليافعية، وهي عائلة عرفت بالفضل والخير واتباع الكتاب والسنة، وكانت آل علي جابر اليافعيين قد تحالفت مع أمير الدرعية عبدالعزيز بن محمد عام 1205هـ، وذلك تحت رئاسة شيخ القبيلة عبدالحميد بن قاسم بن علي جابر، وكان التحالف لمحاربة البدع والشركيات والخرافات في حضرموت وما جاورها، ونشر الدعوة الصحيحة، كما عرفت الأسرة باتباع منهج أهل السنة والجماعة وتعظيم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وانتقل منها والده عبدالله بن صالح إلى مدينة دظة واستقر بها.
ولد الشيخ في ذي الحجة سنة 1373هـ بمدينة جدة، ثم حين بلغ الخامسة من عمره انتقل مع والده إلى المدينة المنورة، وقد تربى الشيخ في أسرة فاضلة عرفت بالصلاح والعلم والزهد، وقد كان أبوه يصطحبه معه إلى المسجد النبوي، ويربيه على الفضائل والترفع عن سفاسف الأمور، مما كوّن شخصية الشيخ الدقيقة في مواعيدها والمثمنة للوقت المحافظ عليه من أن يضيع، وقد توفي أبوه وهو في الحادية عشرة من عمره في عام 1384هـ.
تولت أمه تربيته بعد وفاة والده وكذلك خاله، وقد بدأ بطلب العلم، فبدأ بحفظ القرآن الكريم في مسجد الأميرة منيرة في منطقة باب المجيدي بالمدينة المنورة، وقد بدأ الحفظ على يد الشيخ رحمة الله بن قولداش بخاري المعروف بالشيخ رحمة الله قاري، ثم افتتحت الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة معهدا لحفظ القرآن يديره الشيخ خليل بن عبد الرحمن، فالتحق بهذا المعهد ودرس على الشيخ خليل حتى أكمل حفظ القرآن الكريم، وكان من زملائه آنذاك الشيخ محمد أيوب إمام الحرم المدني، وقد أتم حفظ القرآن الكريم وعمره خمسة عشر عاما، التحق رحمه الله بالمدارس النظامية في المدينة المنورة، فدرس الابتدائية والإعدادية بدار الحديث الخيرية، وطلب فيها العلم الشرعي واستفاد من مشايخها وعلمائها، وكان يعرف بالجد والاجتهاد وعدم الخوض فيما لا يعنيه كما رباه والده على ذلك، وقد تخرج من المتوسطة عام 1389هـ، ثم التحق بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية وتخرج منه عام 1392هـ، وأراد إكمال دراسته فالتحق بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية وتخرج منها سنة 1396هـ بدرجة امتياز، ثم رحل إلى الرياض والتحق بالمعهد العالي للقضاء ليكمل الماجستير، فكان له ما أراد وتخرج منه بعد أن أنهى الماجستير عام 1400هـ، وكانت رسالته فيه بعنوان: "فقه عبد الله بن عمر وأثره في مدرسة المدينة"
توليه القضاء:
بعد أن انتهى الشيخ من الماجستير عيّن قاضيا بقرية ميسان التابعة للطائف، وذلك بترشيح من الشيخ عبدالله بن حميد، وقد طلب الإعفاء إلا أنه لم يعف نظرا لأهليته للقيام بهذه المهمة، فلما رأى الشيخ عبدالله بن حميد متمسكا به رفع طلب الإعفاء إلى الملك خالد يرحمه الله فأعفاه عن القضاء وعينه مفتشاً إدارياً بوزارة العدل، واعتذر أيضا عن هذه الوظيفة لتورعه عن دخول مجال القضاء خوفا من الله فأعفي رحمه الله.
تسجيله للمصحف المرتل بكندا:
ثم في عام 1401هـ صدر أمر ملكي من الملك خالد بتعيينه محاضرا في كلية التربية بالمدينة، فرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وأثناء بقائه هناك ابتعثته الجامعة لدراسة اللغة الانجليزية في كندا فرحل إليها ومكث فيها ثمانية أشهر، وقد سجل في هذه الأشهر مصحفه المرتل والذي يذاع من خلال إذاعة اقرآن الكريم، ثم رجع رحمه الله إلى المملكة العربية السعودية عام 1404هـ.
في عام 1405هـ تقدم إلى المعهد العالي للقضاء بالرياض لإكمال دراسته، فالتحق به وأكمل الدكتوراه ونالها عام 1407هـ بمرتبة الشرف الأولى، وكانت رسالته بعنوان: "فقه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق".
مشايخه:
ومن مشايخه الذين درس عليهم في المعهد وغيره:
- العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وقد لازمه كثيرا حتى أنه كان كثيرا ما يتناول معه الغداء والعشاء.
- ومنهم الشيخ محمد المختار الشنقيطي، كان يدرس عليه في المسجد وفي بيته.
- كما درس على الأستاذ الدكتور عبد العظيم الشناوي، أستاذ النَّحْو والصَّرْف في كلية الشريعة آنذاك.
- والدكتور عمر بن عبدالعزيز بن محمد أستاذ أصول الفقه.
- والشيخ منَّاع القطان.
- والأستاذ الدكتور عبدالوهاب بحيري.
- والدكتور عبدالوهاب أحمد عطوة.
- وفضيلة الأستاذ الدكتور بدران أبو العينين بدران، وغيرهم من العلماء الأجلاء الذين استفاد منهم فائدة كبيرة.
بعد أن تخرج من الدكتوراه عين أستاذا للفقه المقارن بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعن تدريسه يقول الشيخ خالد القحطاني إمام مسجد عمر بن الخطاب بجدة، وأحد طلاب الشيخ علي جابر بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة: (كان يقرر المتن الأصلي ويحثنا على حفظه ويقوم بشرحه وشرح مسائله مع ذكر خلاف أهل العلم فيها دون توسع وكان يعتني كثيراً بالنواحي اللغوية للألفاظ، وكان يستشهد كثيراً بألفية ابن مالك في النحو ، وكنت أعجب من سرعة استشهاده وقوة حافظته) كما كان الشيخ يحرص على أخذ بعض الدروس في جامع الكلية بدلا من القاعة، ويقول بأن ذلك منهج أهل العلم في الطلب، وكان يرجع الطلاب إلى الكتاب والسنة والأخذ عن السلف الصالح.
إمامته بالمسجد الحرام في صلاة التراويح للمرة الأولى:
أما ما يتعلق بإمامته بالناس فإنه في عام 1394هـ أدخله شيخه رحمة الله قاري في مسابقة وظيفية بعنوان: مسابقة أئمة، فتجاوز الشيخ الاختبار وعين إماما لمسجد الغمامة، وبقي فيه يصلي بالناس مدة عامين كاملين حتى عام 1396هـ، ثم تولى الإمامة في مسجد السبق عاماً كاملاً، ثم صار الإمام الخاص بالملك خالد رحمه الله في قصره بالطائف، وفي عام 1401هـ كان يصلي في نفس المسجد في رمضان كعادته حتى نزل الملك خالد إلى مكة في اليوم الثالث والعشرين، ثم استدعى الشيخ علي جابر وفطر معه ثم أمره بان يؤم الناس بصلاة التراويح بدءا من ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بالناس التراويح في الحرم حتى انتهى رمضان، ثم صدر أمر ملكي بتعيينه إماما في الحرم المكي، وكان عمره آنذاك 27 عاما، وبقي الشيخ في إمامة المسجد الحرام حتى عام 1403هـ حيث تقدم بطلب الإعفاء ووافق عليه رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبي، فرجع إلى المدينة المنورة وإلى عمله بالتدريس الجامعي، وكان الشيخ قد فقد صوته لعدة أشهر في منتصف 1402هـ ثم شفي من ذلك وكان ذلك قبل أن يتقدم بطلب الإعفاء.
إمامته بالمسجد الحرام في صلاة التراويح للمرة الثانية:
وفي عام 1406هـ أمر الأمير سلطان بن عبدالعزيز الشيخ علي جابر بأن يصلي بالناس مجددا في المسجد الحرام، فصلى صلاة القيام ذلك العام في الحرم المكي، وظل كذلك كل عام يصلي بالناس في رمضان حتى عام 1409هـ.
ترك رحمه الله الإمامة في الحرم عام 1409هـ ولم يلتزم بالإمامة في مسجد آخر، إلا أنه حين يصلي في أي مسجد كان المصلون يطلبون منه التقدم ليصلي بهم، وقد أم الشيخ الناس في التراويح بمسجد بقشان بجدة عام 1410هـ، وذلك بطلب من أهل المسجد حيث كان الشيخ يصلي فيه عادة لقربه من منزله، واستمر الشيخ كذلك سنوات حتى تعب من مرضه، فطلب الناس أن يعفوه عن الصلاة كإمام لتعبه.
جمال قراءته وتميزه:
كان الشيخ ذا صوت شجي، وتلاوة مميزة، وكان الناس كثيرا ما يتأثرون بتلاواته ويحبون الصلاة خلفه، يقول الشيخ الدكتور عبدالله بن علي بصفر أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، وإمام وخطيب مسجد الشعيبي بجدة : (كان صاحب صوت جميل وتغنى به في أرجاء الحرم وتأثر به جمع غفير من المصلين، وله رونق خاص وأداء متميز، وإتقان جيد، وهو من الأشخاص الذين فقدهم يؤثر في نفوس المسلمين قاطبة، كان علي جابر مع أدبه وتواضعه قوياً في الحق صريحاً لا يلتفت للمجاملات أو لوم اللائمين، وعرف ذلك منه في لقاءاته داخل المملكة وخارجها، وفي حين كان يتحدث المصلحون عن خطورة البث المباشر للقنوات الفضائية التي ستغزو العالم الإسلامي والتصدي لدخولها كان علي جابر يدعو منذ ذلك الوقت في لقاءاته الصحفية للإعداد الدعوي والتحضير لاستخدام هذه التقنية في الخير، والبدأ في تجهيز البرامج المرئية لتعليم الإسلام والخير للناس، وكان علي جابر يطالب العلماء والمفكرين إلى أن يقوموا باحتضان الشباب والتغلغل في أعماق نفوسهم حتى يعرفوا ما عندهم من مشكلات فيعالجوها على ضوء ما رسمته الشريعة الإسلامية)، ويقول الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي: (كان له الدور الأكبر في حبي لترتيل للقرآن الكريم) ويقول الشيخ القارئ مشاري بن راشد العفاسي : (ارتبط اسمه بسماع القرآن وحق له أن يشرف بذلك، الشيخ علي جابر كان مدرسة مستقلة، لا يمكن أن تقول أن أحداً سبقه في هذا الأداء، كان يتميز بقوة الحفظ ومتانة القراءة، وجمال الصوت، وحسن الأداء، وتمام الثقة في القراءة ، وكان يتميز أيضاً بالقراءة التصويرية).
كان الشيخ ذا أدب جمّ، وسيرة حسنة بين الناس، وكان زاهدا في الدنيا، عاش حياة بسيطة رغم انه كان بإمكانه أن يعيش حياة الترف، حتى أن الشيخ بدأ في بناء منزل في المدينة المنورة في حي الفيصلية القريب من الجامعة الإسلامية؛ إلا أنه لم يستطع إكماله لقلة ذات اليد، وبقي كذلك سنوات حتى باعه واشترى منزلا صغيرا بجدة كما امتاز الشيخ بحبه الخير للناس، والإحسان إليهم، ومساعدتهم فيما يستطيع، وكان يسعى بنفسه للمحتاجين، وإلى توظيف العاطلين من الشباب، فأحبه الناس لقربه منهم وتواضعه وكان كثير الصمت فصيحا إذا نطق.
وفاته:
توفي رحمه الله مساء يوم الأربعاء الثاني عشر من شهر ذي القعدة عام 1426هـ بمدينة جدة بعد معاناة مع المرض، وقد صلي عليه في المسجد الحرام عقب صلاة العصر في اليوم الذي يلي وفاته، ودفن بمقبرة الشرايع بمكة المكرمة.
مصادر ترجمته:
1/ أئمة الحرمين لعبدالله بن أحمد آل علاف الغامدي، دار الطرفين للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1436هـ (525-530)
2/ أئمة المسجد الحرام ومؤذنوه في العهد السعودي لعبدالله بن سعيد الزهراني، الطبعة الرابعة 1426هـ (51)
3/ وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم ليوسف بن محمد بن داخل الصبحي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1426هـ (295)
4/ موقعه الرسمي على الرابط
http://www.alijaber.net/cv.html
5/ برنامج القراء من قناة المجد
https://www.youtube.com/watch?v=ReN-ijOSHDo
6/ جريدة عكاظ الأربعاء / 10 / رمضان / 1429 هـ
إمام المسجد الحرام علي جابر صاحب الصوت الندي والترتيل المميز
http://okaz.com.sa/article/213169/
7/ مزامير آل داود
https://www.mazameer.com/vb/showthread.php?t=33063