طلب العلم على جلّ المشايخ الموجودين في مكة المكرمة، ومن كان يأتي إليها من خارج مكة، وقد عد بعضهم شيوخه فتجاوزا السبع مائة شيخ، ومن أبرزهم: والده الشيخ محمد عيسى الفاداني، وعمه الشيخ محمود الفاداني، وقد أسلفنا القول بأنه حفظ القرآن وكثيرا من المتون عليهما، فكانا في طليعة مشايخه الذين درس عليهم، وأخذ عنهم العلم والسلوك، ومنهم: الشيخ عمر حمدان المحرسي، وجمع له ثبتًا ضخمًا أسماه: مطمح الوجدان من أسانيد عمر حمدان. ثم اختصره في: إتحاف الإخوان. وهو من أجلّ مشايخه، قرأ عليه في الصولتية، وفي بيته، وفي الحرم المكي، ومما قرأ عليه: موطأ الإمام مالك، والجامع الصغير للسيوطي، وجمع الفوائد للروادني، ومسلسلات عابد السندي، وغيرها، ومنهم الشيخ محسن بن علي المساوي الفلمباني، وقد لازمه ملازمة تامة، وجمع له كتابا سماه: فيض المهيمن في ترجمة وأسانيد السيد محسن. ومنهم الشيخ علوي بن عباس المالكي، قرأ عليه: الآجرومية، وشرح ابن عقيل، واللمع لأبي إسحاق الشيرازي، ومنهم الشيخ حسن المشاط، قرأ عليه: التحفة السنية في الفرائض، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، وتفسير الجلالين وغيرها، والشيخ عمر بن أبي بكر باجنيد، قرأ عليه: شرح ابن قاسم الغزي لمتن الغاية والتقريب، والإقناع شرح متن أبي شجاع، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي، ومغني المحتاج للخطيب الشربيني، ومنهم: الشيخ سعيد بن محمد اليماني، قرأ عليه: روض الطالب للمقرئ، وشرحه أسنى المطالب، وشرح المحلي لمنهاج النووي، وغيرها، والشيخ أحمد المخللاتي، وجمع أـسانيده وترجمته في: الوصل الراتي في أسانيد وترجمة الشهاب أحمد المخللاتي، والشيخ محمد غازي المكي، واستفاد منه فائدة كبيرة، والعلامة محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي المكي، درس عليه جمع الجوامع، وتفسير الخازن، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي، وزاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للشنقيطي، والرسالة الولدية في آداب البحث والمناظرة، وغيرهم.
ظهر على الشيخ النبوغ في فترة مبكرة، فكان وهو طالب في المدرسة يدَرِّس بعض زملائه، كما كانت له دروس بالمسجد الحرام في الحصوة التي بين بابي إبراهيم والوداع، وفي رواق باب الحميدية، ورواق باب الصفا، كما كان الطلاب يأتون إليه في داره بالمسفلة ثم العتيبية، وقد استفاد منه خلق كثير، خاصة وأن الشيخ كان واسع الاطلاع، غزير العلم، باذلا له، فروى عنه جمع كبير قراءة وإجازة، من بلاد الحرمين، واليمن، ومصر، والشام، والعراق، وبلاد الأتراك، والسودان، وغيرها، وكان الطلاب يأتون إليه من كل صوب، لتميز الشيخ في علمه، وتخصصه في بعض العلوم خاصة علم الرواية.
كان للشيخ رحمه الله اهتمام بتعليم البنات، وذلك نابع من حرصه على نشر العلم بين جميع أطياف المجتمع، فاهتم بأمر مدرسة البنات الابتدائية التي تأسست بمحلة الشامية بمكة المكرمة سنة 1362ه، وبذل لها الغالي والنفيس في سبيل الترقي بها، وجلب لها المدرسات ذوي كفاءات عالية، وكانت هي المدرسة الوحيدة للبنات في مكة المكرمة، وقد خرجت دفعات كثيرة من الفتيات المتعلمات، العالمات بشؤون دينهن وأسرهن، ثم بعد أن تعددت فروع هذه المدرسة، رأى أن يرقي المدرسة إلى مستوى أعلى، حيث يدرس الفتيات علم التربية، والنفس، وطرق التدريس، وغيرها من المواد التي هي أرقى من أن تعطى لطالبات الابتدائية، فأنشأ معهد المعلمات لهذا الغرض عام 1377ه.
اشتغل رحمه الله بالتدريس في المدرسة التي تخرج منها، فكان مدرسا في دار العلوم الدينية من عام 1356ه، إلى عام 1359ه، ثم أصبح وكيلا لها في ذلك العام، واستمر كذلك حتى عام 1406ه، ثم أصبح مديرا لها وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه الله، ومع عمله هذا كان مشرفا على مدرسة البنات، ومشرفا على معهد المعلمات، كما كان يقوم بالتدريس في المسجد الحرام، وكان يدرس الحديث، والفقه الشافعي، وأصوله، وقواعد الفقه، والنحو، والصرف، كما كان يلقي دروسا خاصة في منزله على بعض الطلبة المقيمين عنده.
عرف الشيخ رحمه الله بكثرة التأليف، وكان يكتب في كل الفنون، وليس في علم الأسانيد فقط، بل ما من فن إلا وكتب فيه، ويرجع السبب في ذلك إلى أنه رحمه الله كان يدرس هذه المواد، فكتب في كل هذه الفنون كتابا أو كتبا، ومن الفنون التي كتب فيها: أصول التفسير، والحديث، وقواعد الفقه، وأصوله، والفلك، والمنطق، والبلاغة، وغيرها، فكان مثلا يدرس كتاب: رسالة طاش كبرى زاده. فكتب شرحا له سماه: منهل الإفادة، كما كان يدرس كتاب: البلاغة. فشرحه في: حسن الصياغة. وهكذا.
وقد كان مهتما رحمه الله بعلم الرواية والأسانيد، وقد وصفه الشيخ عبدالله الغماري: بأنه مسند العصر، وشهد له بالنبوغ في هذا الفن عدد من العلماء.
توفي رحمه الله سحر الجمعة الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة عام 1410ه، وصلي عليه عقب صلاة الجمعة ودفن بمقبرة المعلاة، بحوطة السادة.
ترك رحمه الله عددا كبير من الكتب، منها:
1- إتحاف الخلاَّن، شرح تحفة الإخوان في علم البيان. دمشق، دار البصائر، الطبعة الثانية 1406ه.
2- بلغة المشتاق في علم الاشتقاق. القاهرة، دار مصير للطباعة.
3- بغية المشتاق شرح لمع الشيخ أبي إسحاق. تحقيق: أحمد درويش، دمشق، دار ابن كثير، الطبعة الثانية 1432ه.
4- جنى الثمر شرح منظومة منازل القمر. مطبعة حجازي.
5- حسن الصياغة شرح كتاب دروس البلاغة. مطبعة محمد النهدي وأولاده.
6- المختصر المهذّب في معرفة التواريخ الثلاثة والأوقات والقبلة بالربع المُجيّب. طبع على نفقة محمد صالح منصور الباز.
7- الفوائد الجنية حاشية على المواهب السنيّة على القواعد الفقهية. تحقيق: رمزي سعد الدين دمشقية، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1417ه.
وله كتب أخرى ذكرها حسن محمد شعيب، من أهمها:
1- إضاءة النور اللامع شرح الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع.
2- تتميم الدخول إلى مدخل الوصول إلى علم الأصول.
3- تشنيف السمع مختصر في علم الوضع.
4- تعليقات على شرح منظومة الزمزمي في أصول التفسير.
5- تقريب المسلك لمن أراد علم الفلك.
6- حاشية على الأشباه والنظائر في فروع الفقه الشافعي للسيوطي.
7- حاشية على التلطّف شرح التعرّف في أصول الفقه.
8- حاشية على رسالة حجر زاده في علم الوضع.
9- حاشية على القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام.
10- الدر المنضود شرح سنن أبي داود.
أما كتبه في الأسانيد :
1- إتحاف البررة بأسانيد الكتب الحديثية العشرة، دمشق، دار البصاير، الطبعة الثانية 1403ه.
2- إتحاف السمير، بأوهام ما في ثبت الأمير، وقد طبع مع سد الأرب من علوم الإسناد والأدب لمحمد السناوي المصري، بمطبعة حجازي بمصر عام 1361ه، الطبعة الثانية.
3- إتحاف الطالب السري بأسانيدي إلى الوجيه الكُزْبَرِي، دار البصائر 1403ه.
4- إتحاف المستفيد بغرر الأسانيد، ويسمى إتحاف أولي النهى بإجازة الأخ الشيخ محمد طه، دمشق، دار البصاير، الطبعة الثانية 1403ه.
5- الأربعون البلدانية : أربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين بلداً. بيروت، داتر البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1407ه.
6- أسانيد الفقيه أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، بيروت، دار البشائر الإسلامية 1408ه.
7- الأسانيد المكية لكتب الحديث والسير والشمائل المحمدية. بيروت، دار البشائر الإسلامية.
8- تعليقات على حسن الوفا لإخوان الصفا، تعليق وتصحيح الفاداني. بيروت، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية، 1408ه.
9- تعليقات على كفاية المستفيد لما علا من الأسانيد. بيروت، دار البشائر الإسلامية.
10- تنوير البصيرة بطرق الإسناد الشهيرة. دمشق، دار البصائر، الطبعة الثالثة 1403 هـ.
11- الجامع الحاوي في مرويات الشرقاوي. (تحقيق) دمشق، دار البصائر، 1405 هـ.
12- العجالة المكية في أسانيد سعيد سنبل إلى مؤلّفي الكتب الحديثية في أوائله. تحقيق عبدالفتاح أبو غدة، وقد طبع مع الأوائل السنبلية، دار البشائر الإسلامية، 1427الطبعة الأولى 1427ه.
13- العُجالة في الأحاديث المسلسلة. دمشق، دار البصائر، الطبعة الثانية 1405 هـ.
14- الروض الفائح وبغية الغادي والرائح بإجازة الأستاذ محمد رياض المالح. بيروت، دار البشائر الإسلامية.
15- العقد الفريد من جواهر الأسانيد. اندونيسيا، دار السقاف للطباعة والنشر، الطبعة الثانية.
16- فيض المبدي بإجازة الشيخ محمد عوض منقش الزبيدي. بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1408 ه.
17- الفيض الرحماني بإجازة محمد تقي العثماني. بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1406 ه.
18- المقتطف من إتحاف الأكابر بأسانيد المفتي عبد القادر. تخريج محمد هاشم بن عبد الغفور السندي. بيروت، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1408 هـ.
19- المسلك الجلي في أسانيد الشيخ محمد علي، بيروت، دار البشائر 1408ه.
20- الوافي بذيل تذكار المصافي بإجازة الشيخ عبد الله الجرافي، بيروت، دار البشائر 1429ه.
21- ورقات في مجموعة المسلسلات والأوائل والأسانيد العالية، القاهرة، المطبعة السلفية، الطبعة الثانية 1406ه.
22- بلوغ الأماني في التعريف بشيوخ وأسانيد مسند العصر: الشيخ محمد ياسين محمد عيسى الفاداني، جمعه تلميذه محمد مختار الدين الفلمباني. دمشق، دار قتيبة، الطبعة الأولى 1408ه.
23- تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع أو إمتاع أولي النظر ببعض أعيان القرن الرابع عشر جمعه تلميذه محمود سعيد ممدوح ذكر فيه تراجم 228 شيخا للفاداني، طبع بدار البشائر 1421ه.
وله كتب أخرى ذكرها حسن محمد شعيب، من أهمها:
1- إتحاف الإخوان باختصار مطمح الوجدان من أسانيد الشيخ عمر حمدان.
2- إتحاف أولي الهمم العلية بالكلام على الحديث المسلسل بالأولية.
3- اختيار واختصار رياض أهل الجنة، وهو ثبت مختصر لعبد الباقي بن عبدالباقي الحنبلي.
4- أربعون حديثاً مسلسلة بالنحاة إلى الجلال السيوطي.
5- الأربعون حديثاً من أربعين كتاباً عن أربعين شيخاً.
6- الإرشادات السوّية في أسانيد الكتب النحوية والصرفية.
7- أسمى الغايات في أسانيد الشيخ إبراهيم الخزامي في القراءات.
8- بغية المريد في علوم الأسانيد.
9- تشنيف المسامع بختم كتاب جمع الجوامع للسبكي.
10- تعليقات على الأوائل السنبلية .
مصادر ترجمته:
1/ بلوغ الأماني في التعريف بشيوخ وأسانيد مسند العصر: الشيخ محمد ياسين محمد عيسى الفاداني، جمعه تلميذه محمد مختار الدين الفلمباني. دمشق، دار قتيبة، الطبعة الأولى 1408ه.
2/ تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1422ه. (2/235-238).
3/ تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع. لمحمد سعيد بن محمد ممدوح، الطبعة الثانية، بيروت 1434ه. (90-105)
4/ تكملة معجم المؤلفين محمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1418هـ. (1/563-566)
5/ الدور التربوي لحلقات العلم بالمسجد الحرام في عهد الملك عبدالعزيز. لحسن بن محمد شعيب، 1428ه (179-187).
6/ معجم المعاجم والمشيخات، والفهارس والبرامج والأثبات. ليوسف المرعشلي، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1423ه (3/18-68).
7/ مقدمة الفوائد الجنية، حاشية على المواهب السنيّة على القواعد الفقهية. تحقيق: رمزي سعد الدين دمشقية، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1417ه. (37-48)
8/ نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر وبذيله عقد الجوهر في علماء الربع الأول من القرن الخامس عشر ليوسف المرعشلي، دار المعرفة، الطبعة الأولى 1427هـ . (2147-2150).
9/ هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري. لعبدالعزيز بن فيصل الراجحي، الرياض، مكتبة الرشد (207-217).
• ترجمة خاصة لوقف علماء مكة الخيري من إعداد/ إبراهيم محمد صديق.