في عام 1338ه سافر إلى الهند؛ لدراسة الحديث على مشاهير علمائها، ونزل في مدينة بونة فمكث فيها عاما واحدا، درس فيه معظم كتب الحديث المعتبرة، ثم عاد إلى الأحساء، وفي طريق عودته نزل في قطر، وأخذ عن: الشيخ محمد بن مانع، ودرس عليه بلوغ المرام، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد، وفي الأحساء حضر دروس: الشيخ عبد العزيز بن بشر، وكان قاضيا بالأحساء، قرأ عليه جملة من الكتب المطوَّلة، منها: تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وصحيح البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، والمنتقى في الحديث، وأعلام الموقعين، وكشاف القناع، وشرح المفردات، وغيرها، وكان يحفظ بعضها، وقد كرر بعض هذه الكتب على الشيخ – قراءة - خمس مرات وأكثر، ولازم دروسه التي كانت تلقى بجامع الإمام فيصل بالأحساء، كما درس على غيره من العلماء، منهم: عبدالله بن عبدالرحمن بن غيث، وأحمد بن علي عرفج، ومحمد بن حسن عرفج، واستفاد منهما في علم الفرائض، والمناسخات، وذوي الأرحام، وقرأ عليهما كتبا كثيرة، منها: شرح الترتيب للشنشوري، والعذب الفائض، والرسالة الرحبية بشرح الشنشوري، وفي عام 1343ه رحل إلى الرياض، فقرأ على جماعة من العلماء بها، كالشيخ سعد بن عتيق، قرأ عليه بلوغ المرام، وقطر الندى، والشيخ سليمان بن سحمان، قرأ عليه التدمرية، والحموية، وكان يحفظهما، ومن مشايخه: الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، قرأ عليه كتاب التوحيد، وكشف الشبهات للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وفتح المجيد، وجامع الترمذي، ومنهم: صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، قرأ عليه الروض المربع، ومنهم: حمد بن فارس، قرأ عليه الآجرومية، والملحة في النحو، وغيرهما.
بقي في الرياض عامين تقريبا، ثم في أواخر عام 1344ه ذهب إلى مكة المكرمة لأداء الحج، فأخذ عن علمائها أيضا، ومنهم: محمد بن عثمان الشاوي، وعبدالله بن سليمان بن بليهد، ثم ذهب إلى المدينة، ورجع بعد زيارتها إلى الأحساء، وفي ذلك العام، أي عام 1345ه توفي والده، فقام بشؤون أسرته، وكان إماما وخطيبا للجامع الذي يصلي فيه أمير الأحساء: عبدالله بن جلوي في ذلك الوقت، ثم في عام 1347ه ذهب مرة أخرى إلى الرياض؛ لطلب العلم، ولازم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وقرأ عليه كتاب التوحيد، والزاد، والمنتقى في أحاديث الأحكام، وفي أواخر ذلك العام ذهب إلى مكة لأداء الحج للمرة الثانية، فحج وجاورها فترة من الزمن، درس فيها تفسير ابن كثير وغيرها، على: الشيخ محمد الشاوي، كما درس المنتقى في أحاديث الأحكام، على: الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد، ثم سافر إلى المدينة، وبعد عدة أشهر عاد إلى مكة المكرمة وحج للمرة الثالثة وذلك عام 1348ه، ثم عاد إلى الرياض ومنها إلى الأحساء.
لم يكتف الشيخ بسفراته السابقة لطلب العلم، ففي عام 1349ه ذهب إلى الرياض، ولازم الشيخ محمد بن إبراهيم حتى عام 1351ه، وقرأ عليه كتبا كثيرة، منها: الصحيحان، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وأبي داود، وابن ماجه، والدار قطني، ومسند الإمام أحمد، والرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، والحموية، وأعلام الموقعين، والتاريخ الإسلامي، وقد استجاز الشيخ فأجازه، كما حصل على الإجازة من عدد من المشايخ الآخرين، وقد كان مقربا من الشيخ محمد بن إبراهيم، وكانت دروس الشيخ محمد بن إبراهيم تلقى بعد الفجر إلى قبيل الشروق، ثم يجلس الشيخ عبدالله بن دهيش فيستمع لبعض محفوظات الطلاب، ويعيد درس الشيخ محمد بن إبراهيم حرفيا أو بمعناه، ثم بعد الإفطار يذهب بعض كبار الطلبة إلى منزل الشيخ محمد بن إبراهيم، ومنهم: الشيخ عبدالله، ويقرؤون عليه المطولات، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية.
كان يهتم جدا بالعلم وتعلمه، وبذل في ذلك الوقت والمال، أنشأ الشيخ لنفسه مكتبة علمية كبيرة، وكان فيها مخطوطات وكتب نادرة، وكان الشيخ يستنسخ بعض المخطوطات بنفسه، وفي المكتبة من الكتب ما يفوق الخمسة آلاف في شتى الفنون.
دروسه في حياته كانت كثيرة في مختلف المدن التي تواجد فيها، وأم الناس فيها، وكانت في التوحيد، والفقه، والفرائض، والوعظ، والإرشاد، واستفاد منه خلق كثير، ومن أشهر تلامذته: الشيخ محمد بن فايز، والشيخ أحمد بن بريك، والشيخ سعد بن حجرف البواردي، والشيخ حسن الوهيبي، والشيخ حامد بن حامد العباد، والشيخ عبدالملك بن داود.
تولى رئاسة المحكمة الشرعية بالأحساء عام 1351ه، وقد أحدث فيها تغييرات كبيرة، ونظم المحكمة، وأمر بتسجيل الصكوك في سجلات خاصة، كما عرف الشيخ بالدقة في أحكامه، وكان لا يحكم إلا بعد ذكر الأدلة من الكتاب والسنة، وعندما يحكم يبين في حكمه الدليل مع مصدره، ويستشير المشايخ فيما يشكل عليه، خاصة شيخه: الشيخ محمد بن إبراهيم، كان بشوشا للجميع يفتح بيته كل جمعة يستقبل العلماء والأعيان ويتداول معهم الأحاديث، إضافة إلى ذلك كان يقوم بالإمامة والخطابة، والتدريس بالجامع الكبير بالأحساء، ثم نقل إلى رئاسة محكمة حائل عام 1359ه، وقام بالإمامة والخطابة بالجامع الكبير بها، ثم في رجب عام 1361هـ نقل إلى محكمة التمييز بمكة، معاونا لرئيسها: الشيخ محمد بن مانع، وعُيِّن أيضا معاونًا لرئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحجاز، وتولى التدريس بالمسجد الحرام في نفس العام، بأمر رئيس القضاة إلى أن نقل من مكة، ثم حين عاد؛ عاد إلى دروسه حتى توفاه الله، وكانت دروسه في جهة باب الصفا، وله حلقة خلف المقام الحنفي بدار الندوة، في حصوة باب الزيادة، وكانت هذه الحلقة تعقد بعد العصر حتى قبيل المغرب، درّس: الفرائض، والفقه الحنبلي، والتوحيد، كان يستحضر المسألة وأقوال القائلين فيها مع أدلتهم، ويرد على المخالفين بالتفصيل، وكان يولي علم النحو أهمية كبيرة ويحرص على تعلم طلابه متن الآجرومية في النحو، ومغني اللبيب لابن هشام، وفي عام 1362ه عين عضوا في مجلس المعارف، ثم نقل إلى سلك القضاء في المحكمة الكبرى بالرياض عام 1363ه، وبقي فيه إلى عام 1365ه، ثم انتقل في ذلك العام إلى رئاسة محكمة الخبر، وكان في نفس الوقت يؤم الناس ويخطب بهم في جامع الخبر الكبير، وكانت له حلقة علم كبيرة فيه، ثم في عام 1371هـ عين رئيسا للمحكمة الشرعية بمكة المكرمة، مع تدقيق أحكام وقرارات المحاكم المستعجلة الثلاث بمكة، وبقي فيها حتى عام 1383ه حيث أصبح عضوا برئاسة القضاء، وبعد سنة من ذلك أحيل إلى التقاعد بعد طلب منه، وذلك عام 1384ه.
فتح بيته لطلاب العلم، يجلس إليهم حينما كان قاضيًا بحائل ، وكان يجلس لهم بعد العشاء في بستان يعرف بحير الفريح، وفي مواسم رمضان والحج يفتح بيته لطلاب العلم والعلماء والوجهاء، ويبالغ في إكرامهم، حيث كان له مخيم معروف باسمه في الحج لاستقبال الناس وإكرامهم.
توفي رحمه الله يوم الأحد التاسع من جمادى الأولى عام 1406هـ، بمكة المكرمة إثر
نوبة قلبية حادة ودفن بمقابر العدل.
للشيخ تراث علمي متروك ما بين كتابات شرعية، كتبها في الصحف، ومابين كتب ألفها، فمن كتاباته في الصحف المحلية:
1- الأوقاف السلطانية. نشر في جريدة البلاد، العدد: 2817 بتاريخ 24/1/1378ه.
2- القضاء وأحكامه. نشر في جريدة البلاد، العدد: 251 بتاريخ 25/5/ 1379ه.
3- ليلة القدر. نشر في جريدة البلاد، العدد: 2729 بتاريخ 26/9/ 1377ه.
4- من أحاديث الصوم. (الجزء الأول)، نشر في جريدة البلاد، العدد: 2709 بتاريخ 3/9/ 1377ه.
5- من أحاديث الصوم. (الجزء الثاني)، نشر في جريدة البلاد، العدد: 2721 بتاريخ 6/9/ 1377ه.
6- نبذة من تاريخ الأحساء. نشر في جريدة البلاد، العدد: 333 بتاريخ 4/5/ 1379ه.
7- الوقف الأهلي الصحيح لايحل. نشر في جريدة البلاد، العدد: 2825 بتاريخ 3/2/ 1378ه.
ومن مؤلفاته:
1- الأضواء والشعاع، على كتاب الإقناع. تحقيق عبدالملك بن دهيش، بيروت، دار خضر للطباعة والنشر، 1419ه.
2- تحرير مسائل الخلاف على أبواب الكشاف، مع تخريج أحاديث الكشاف.
3- تحقيق كتاب: "المناقلة بالأوقاف وما وقع في ذلك من النزاع أوالخلاف" لأحمد بن حسن بن قدامة الحنبلي، الشهير بابن قاضي الجبل، مطابع دار الأصفهاني بجدة 1386ه.
4- تحقيق كتاب: " سير الحاثّ إلى علم الطلاق بالثلاث" ليوسف ابن عبد الهادي، مطابع النهضة الحديثة بمكة 1389ه .
5- التعليق الحاوي على إقناع الحجاوي.
6- الفقه القيم من كتب ابن القيم.
7- كتاب القضاء، ويحتوي على أكثر من 100 مسألة في الشروط التي يجب توفرها في القاضي وشروط الحكم.
8- مغني ذوي الأفهام، عن الكتب الكثيرة في الأحكام، لابن عبدالهادي. تصحيح وتعليق، مطابع شركة المدينة المنورة بجدة 1388ه.
مصادر ترجمته:
1/ تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1422ه. (2/14)
2/ الدور التربوي لحلقات العلم بالمسجد الحرام في عهد الملك عبدالعزيز. لحسن بن محمد شعيب، 1428ه (281).
3/ رجال من مكة المكرمة. زهير كتبي، الطبعة الثالثة 1410ه. (3/88-107).
4/ علماء نجد خلال ثمانية قرون لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار العاصمة، الطبعة الثانية 149هـ. (4/344-360).
5/ المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم، لإبراهيم بن محمد بن ناصر السيف، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1426ه. (4/200-220).
6/ المستدرك على تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1422ه. (1/67).
• ترجمة خاصة لوقف علماء مكة الخيري من إعداد/ إبراهيم محمد صديق.