قرأ الشيخ في مستهل طلبه للعلم مختصرات العلوم ككتاب التوحيد، ودليل الطالب، وبلوغ المرام، والشنشوري، والآجرومية، وذلك على علماء بلده في عنيزة وبريدة، وفي الثامنة عشر من عمره سافر إلى بغداد للاستزادة من العلم، فقرأ فقه الحنابلة والنحو وغيرهما، ثم سافر إلى دمشق واتصل بعلمائها وتعرَّف بهم، فقرأ عليهم في الحديث، ثم عاد إلى العراق ولازم مشايخه السابقين فتزود منهم في علوم العربية بأنواعها، وقرأ عليهم مختلف أنواع العلوم وفنونه من المتون والشروح والحواشي بعضها من المطولات وبعضها من الرسائل والمختصرات شيئا لا يكاد يحصى، وقد كانت دراسته وثقلها في بغداد وعن علمائها أخذ حيث وجد فيهم ضالته في التبحر العلمي والاستيعاب للعلوم التي هو حريص عليها للثقة التي وجدها في أولئك العلماء وهم أكثر عددًا من جميع مشايخه في الديار التي زارها طالبًا للعلم، وقد كان جادًا مجدًّا مواصلاً ليله بنهاره في القراءة والتحصيل وإدمان المراجعة والبحث، وقد أكبّ على كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم، وكان رحمه الله في أسفاره يشرح للعلماء أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وحقيقتها.
ثم رجع الشيخ إلى بلده مدينة عنيزة سنة 1329هـ فقرأ على قاضيها "الروض المربع" ثم توجه إلى بلدة الزبير من أعمال العراق سنة 1330هـ ، فدعاه مقبل الذكير أحد تجار نجد وأعيانها المقيمين في البحرين دعاه إلى مكافحة التنصير وفتح له لهذا الغرض "مدرسةً" آخر عام 1330هـ فأقام الشيخ في البحرين أربع سنين، وشرح في أثناء ذلك العقيدة السفارينية، ثم دعاه حاكم قطر آنذاك عبد الله بن قاسم بن ثاني فتوجه إليها في شهر شوال عام 1334هـ فتولى القضاء والخطابة والتدريس، وقد سعى في قطر لإنشاء "المدرسة الأثرية" التي أسهم بعض أعيان البلاد في إنشائها، وقد استمرت هذه المدرسة تؤدي رسالتها من عام 1334 إلى عام 1357هـ، وكان من رعيل هذه المدرسة الأول ممن تتلمذوا على الشيخ ابن مانع: الشيخ عبدالله التركي، والشيخ عبد الله الانصاري، والشيخ فالح بن ناصر، والشاعر محمد بن عثيمين وغيرهم، إذ كان لهؤلاء أثرهم الواضح في سير الحركة التعليمية والثقافية والأدبية في البلاد، وقد استمر الشيخ في أداء رسالته في خدمة العلم والشريعة إلى عام1357هـ حيث غادر قطر عائداً إلى الأحساء بعد أن أمضى في قطر حوالي ربع قرن.
وقد تلقى الشيخ العلم على كثير من العلماء ففي بريدة –كما سبق- قرأ على عالمها الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ: عبد الله بن فداء، وفي المذنب: قرأ على قاضيها الشيخ عبد الله بن محمد بن دخيل، وفي بغداد أخذ عن علماء كثر من أبرزهم: العلاّمة محمود شكري الألوسي، قرأ عليه كثيرًا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وقرأ عليه في المعاني والبيان والبديع كثيرًا من الرسائل في هذه الفنون، وأخذ عن الشيخ محمد عبده، والشيخ رشيد رضا، وأضرابهما، وفي الشام: الشيخ جمال الدين القاسمي، وبدر الدين بالجامع الأموي، وحضر دروس الشيخ عبد الرزاق البيطار، وغيرهم.
وبعد أن قدم الشيخ الأحساء في عام 1358هـ من قطر التقى بالشيخ عبد الله السليمان وزير المالية ذلك الوقت، وأشار عليه بالقدوم على الملك عبد العزيز، فذهب للرياض وقابله وأكرمه، ثم عينه مدرسا في المسجد الحرام، حينها انتقل الشيخ إلى مكة ثاني يوم من شهر رمضان عام 1358هـ وابتدأ التدريس بالمسجد الحرام والمدارس الحكومية واجتمع عليه طلاب العلم يقرأون عليه في الفقه والحديث والنحو والفرائض.
وفي عام 1364هـ أنشئت إدارة التعليم في مكة وسميت «مديرية المعارف العمومية» لنشر العلوم والمعارف والصنايع وافتتاح المكاتب والمدارس والمعاهد العلمية مع فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين الحنيف، وقد أصدر الملك عبد العزيز مرسومًا ملكيًا عام 1365هـ بتعيين الشيخ مديرًا عامًا للمعارف ورئيسًا لمجلس المعارف، ولهيئة تأديب الموظفين، ورئيسا لهيئة تمييز القضاء الشرعي، كما أسندت إليه رئاسة دار التوحيد بالطائف التي أنشئت عام 1364هـ ففتحت عشرات المدارس في عهده، وكان هو الذي أدخل كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مناهج التعليم على حسب المستويات، ولشدة حرصه على نجاح الدراسة بالكليات العالية ككلية الشريعة ودار التوحيد وغيرهما كان يحضر إلى القاهرة بنفسه ويختار الأساتذة الأكفاء لهذه الكليات بعد دراسةٍ واختبارٍ لحالتهم من جميع النواحي.
وفي عام1369هـ قام الشيخ بدراسة إمكانية فتح كلية للشريعة في مكة يكون الغرض منها تخريج مدرسين للمدارس الثانوية وقضاة للمحاكم وتكون مدة الدراسة بها أربع سنوات ففتحت وتولى هو الإشراف عليها حتى عام 1372هـ.
قام الشيخ بهذه الأعمال إلى جانب قيامه بالتدريس في المسجد الحرام بعد صلاة الفجر و بعد صلاة المغرب، واستمر في عمله التعليمي إلى أن أحدثت وزارة المعارف سنة 1373هـ وعُينَ إذ ذاك "الأمير" فهد بن عبدالعزيز وزيرًا للمعارف، ونقل الشيخ ابن مانع مستشارًا برتبة وكيل الوزارة حتى عام 1377هـ.
وفي عام 1377هـ طلبه حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله بن ثاني من الحكومة السعودية فلبّت الحكومة السعودية نداء الشيخ علي فرحل المترجَم له إلى قطر مرة ثانية وصار مشرفًا على سير التعليم فيها وإصلاح مناهجه، ومستشارًا وإمامًا وخطيبًا لجامع الدوحة، وصار لكلمته نفوذ، وسُدِّدَ في أعماله، وأخذ يشير على الشيخ بطبع كتب العلم النفيسة وكان عنده أكبر خزانة للمخطوطات فأخذ ينشر الكتب المفيدة بطباعة حسنة يوزعها على طلبة العلم مجانًا وأكثر من الطباعة حتى بلغ مايزيد على مائة كتاب في مختلف الفنون.
وللشيخ رحمه الله تلاميذ كثر يصعب حصرهم، من أبرزهم: الشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ عبد الله بن زيد رئيس المحاكم في قطر، والشيخ عبدالرحمن بن شعلان رئيس المحكمة المستعجلة والإمام بالمسجد الحرام، وشاعر نجد الكبير محمد بن عثيمين، والشيخ فيصل بن مبارك رئيس رئيس محكمة الجوف سابقًا، والشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد صاحب المصنفات وأول رئيس لتعليم البنات، وغيرهم كثير.
أصيب الشيخ في أواخر عمره بمرض البروستات بعد أن جاوز عمره الرابعة والثمانين، فسافر إلى بيروت ودخل مستشفى الجامعة الأمريكية وأجريت له عملية جراحية توفي على إثرها في 17 رجب من عام1385هـ ونقل إلى قطر وصلّي عليه في جامعها، وخلّف مكتبة حافلة بنفائس المخطوطات والمطبوعات، وخلّف ثلاثة أبناء: عبد العزيز، وعبد الرحمن، وأحمد.
مؤلفاته:
1- الأجوبة الحميدة عن الأسئلة المفيدة، طبعت مع كتاب إقامة الدليل والبرهان وهي رسالة تتعلق بالتوحيد كما قال ابن بسام، وطبع معهما إرشاد الطلاب، نشر: المكتب الإسلامي بدمشق عام 1383هـ.
2- إرشاد الطلاب إلى فضيلة العلم والعمل والآداب، طبعت بدار الريان، تحقيق: علي الحلبي.
3- أربح بضاعة في معتقد أهل السن والجماعة، جمعها: علي بن يوسف، أمر بتجديد طبعها: علي بن ثاني حاكم قطر، ولابن مانع تعليقات على الطبعة الثانية منها عام 1379هـ.
4- الإعلام فيمن ولي عنيزة من الأمراء والقضاة والأعلام، وله طبعتان: إحداهما ملحقة بكتاب المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب، لعبد الرحمن المغيري، وطبع مرة أخرى طبعة مستقلة بتاريخ 1414هـ.
5- إقامة الدليل والبرهان على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن، طبعت في الهند سنة 1337هـ، وطبع في دمشق سنة 1383هـ، نشر: المكتب الإسلامي، مع نبذة عن حياة ابن مانع، للناشر: زهير الشاويش.
6- تعليقات على كتاب » البدرانية شرح المنظومة الفارضية على مذهب الإمام أحمد» لعبد القادر بن بدران، طبع بمكة- دار البلاد، عام 1373هـ.
7- تحديق النظر في أخبار الإمام المهدي المنتظر – نشر: دار الصميعي، تحقيق: عبد الإلة بن عثمان الشايع، الرياض،1430هـ.
8- شرح السفارينية، وأسماه: الكواكب الدرية لشرح الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية، اعتنى بنصوصها وخرّج أحاديثها: أبو محمد، أشرف عبد المقصود. نشر: مكتبة أضواء السلف- الرياض 1418هـ.
9- القول السديد فيما يجب لله على العبيد، ملحق ببعض القصائد في العقيدة والتعليق عليها، طبع عام1380هـ بمطابع الدوحة، وبها ألحقت هذه القصائد، وهناك طبعة حديثة مع حاشية للأستاذ/ محمد آل إسماعيل، مسماة: بـــ"النهج الرشيد"، نشر: مكتبة الرشد بالرياض، سنة 1420هـ.
10- حاشية على العقيدة الواسطية، طبعت مع تعليقات للشيخ ابن باز، ، اعتنى بها: أشرف عبد المقصود، نشر: مكتبة أضواء السلف بالرياض.
11- حاشية على العقيدة الطحاوية، طبعت مع تعليقات للشيخ ابن باز، اعتنى بها: أشرف عبد المقصود، نشر: مكتبة أضواء السلف بالرياض.
12- بطلان قول الملحدين أن الاستدلال بكلام الله ورسوله لا يفيد العلم اليقين، وهي رسالة في الرد على الملحدين المارقين، اعتنى بها: علي الأثري، طبعت بمكتبة الفرقان بدبي سنة 1425هـ.
13- سبل الهدى في شرح شواهد قطر الندى، ذكر الزركلي أنه مطبوع.
14- مختصر عنوان المجد في تاريخ نجد، اختصر الجزء الأول منه ابن مانع وسليمان الدخيل، طبع في بغداد سنة 1328هـ في مطبعة الشاه بندر.
15- تعليقات على كتابي: "كشف الشبهات" و"الرسالة المفيدة"، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، طبعت بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة1404هـ.
16- تعليقات على " زاد المستقنع" طبع بمطبعة المدني بالقاهرة.
17- تعليقات على كتاب "الكافي" لابن قدامة – طبع بالمكتب الإسلامي بدمشق سنة 1382هـ.
18- تعليقات على دليل الطالب من مطبوعات المكتب الإسلامي بدمشق سنة 1389هـ.
19- تعليقات على "آداب المشي إلى الصلاة" للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو جزآن: الجزء الأول: طبع بمكتبة دار النهضة العلمية بمكة، وله طبعة ثانية بمكتبة المعارف بالرياض، وأما الجزء الثاني فطبع بمكتبة الاقتصاد بمكة.
20- حاشية على كتاب "الواضح في فقه الإمام أحمد" لعلي أبو الخير، مطبوعة مع "متن الدليل"، طبع ونشر: المكتب الإسلامي بدمشق، بدون تاريخ.
21- تعليقات على كتاب "المنتخب في ذكر قبائل العرب" للمغيري، طبعه المكتب الإسلامي ببيروت سنة 1965هـ.
22- تعليقات على مقالات الكوثري وبعض كتبه، اعتنى بها وصدّرها بنبذة في كشف حال الكوثري: سليمان بن صالح الخراشي، طبعته دار الصميعي بالرياض.
23- مجموعة التوحيد، وتحتوي على ست عشرة رسالة، طبعت على نفقة علي بن ثاني، وهي من منشورات المكتب الإسلامي بدمشق، وتقع في 918 صفحة.
24- تحفة الإخوان في بيان أن الحق والصواب ما قرره الشيخ سليمان بن سحمان، وهي رسالةُ إعلان عن تراجعات عمّا نُبِّه عليه في كتابيه: "الكواكب الدرية"، و"القول السديد"، وهو: مخطوط ضمن محفوظات دارة الملك عبد العزيز بالرياض، ضمن مجموعة الشيخ: عبد الرحمن العيسى برقم(18).
25- كشف الغطا عما في أعلام الورى من الخطأ، مخطوطة، ذكرها آل الشيخ في "مشاهير علماء نجد" (ص:416).
26- رسالة في أدب البحث والمناظرة، مخطوطة، ذكرها آل الشيخ في "مشاهير علماء نجد" (ص:416).
• آلت مكتبة الشيخ وتراثه الضخم حاليًا إلى دارة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض.
مصادر ترجمته:
علماء نجد خلال ثمانية قرون، للبسام(6/100)، الأعلام، للزركلي (6/ 209) مشاهير علماء نجد وغيرهم، لعبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص: 267)، موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين، لأحمد سعيد سلم (3/154ـ 155)، فتح الجليل في ترجمة وثبت شيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز العقيل، لمحمد زياد عمر التكلة ( ص392)، مقالة مطولة في مجلة البحوث الإسلامية، بعنوان: من رواد العلم والتعليم في المملكة: الشيخ: محمد بن عبد العزيز المانع ( العدد54/ص 279)، تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد، لمحمد آل عبد القادر(1/35) روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد، لمحمد القاضي(2/282-283)، علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم، لصالح العمري(2/459)، معجم أسر بني تميم في الحديث والقديم لمحمد آل وهيب(2/484) المدرسون في المسجد الحرام، لمنصور النقيب(3/450)، الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرنا، لعبد الله الطريقي(11/39)، الجواهر الحسان، لزكريا بيلا(1/232)، أعلام المكيين، لعبد الله بن عبد الرحمن المعلمي(1/179) العلامة: محمد بن مانع، لعبد المنعم الوكيل، حاشية كتاب جهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية، لصالح الغامدي (ص: 330) الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية، لعبد الله البغدادي، (1/233-234).