نشأته وبداية طلب العلم:
محمد بن عبد الرزاق بن حمزة بن إبراهيم بن نور الدين بن حمزة المصري، ثم المكي، ينتهي نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد في شعبان سنة 1308هـ في قرية كفر عامر إحدى قرى محافظة القليوبية بمصر.
تلقى الشيخ علومه الأولية في مدرسة القرية، فأكمل حفظ القرآن وهو في نحو الرابعة عشرة من عمره وتعلم شيئاً من مباديء العلوم كالحساب، والإملاء، والجغرافيا، ثم التحق بالجامع الأزهر في عام 1327هـ فدرس مقرراته حينئذ في العلوم المختلفة كعلوم اللغة والشريعة وكانت له مطالعات مختلفة في علوم الحساب والهندسة، حتى تخرج منه عام 1332هـ، إذ مكث فيه 5 سنوات تقريبا، ثم التحق بدار الدعوة والإرشاد التي أنشاها الشيخ رشيد رضا، صاحب "المنار" والتفسير المشتهر باسم "تفسير القرآن الحكيم" حيث التزم الشيخَ رشيد رضا معاونا له في تصحيح ما يطبع في مطبعة المنار من الكتب العلمية وحضور دروسه في داره، وقد كان من البارزين من الحاضرين في تلك الدروس: الشيخ عبد الظاهر أبو السمح الذي كان له دور بارز في توجيه المترجَم إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية حتى أصبح الشيخُ حريصا على البحث عن كل كتاب له ولمن يتابعه حتى قال عن نفسه: فخرجت بيقين ثابت وإيمان قوي ومعرفة جيدة بمذاهب السلف في هذه الأمور وبحب مطالعة كتب الحديث وأسانيده والكلام على رجاله، واصل الشيخ تحصيله العلمي حتى أضحى من العلماء الفحول والحفظة العدول.
مشايخه:
وتتلمذ في مسيرته العلمية على جملة من المشايخ ونهل من علومهم واستفاد من دروسهم:
- كالشيخ محمد رشيد رضا.
- والشيخ سليم البشري شيخ الأزهر في وقته.
- والشيخ محمد توفيق صدقي، أحد علماء الأزهر.
- والشيخ عبيد الله السندي أحد علماء الهند.
- والشيخ مصطفى القاياتي وغيرهم.
ولكن كما أشير آنفا إلى أن الشيخ قد تخرج على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي طليعتها كتاب "التوسل والوسيلة"، كما أنه تأثر في بداية أمره بكتاب "الصارم المنكي في الرد على السبكي"، ومنهما ومن مؤلفات شيخ الإسلام انطلق إلى دراسة الحديث، وعلومه، وأسانيده، ومعرفة رجاله، ومعرفة منهج السلف الصالح، حتى رسخت قدمه فيه، فظل طول حياته يَدْرُسُ الحديث ويُدَرِّسُه، روايةً ودرايةً، ويُدَرِّسُ منهجَ السلف، ويربي عليه، ويحارب البدع الشركية وغيرها حتى لقى ربه رحمه الله.
وقد تقلد الشيخُ في مصر قبل انتقاله إلى المملكة وظائف عديدة وظفها لخدمة دينه وتصحيح عقائد المسلمين وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي فمن أعظم الوظائف التي تقلدها:
* وظيفة الدعوة إلى الله عز وجل التي كان لا يصده عنها صاد.
* اشتغاله بالتدريس في المعاهد والهيئات العلمية بمصر.
* اشتغاله بتحقيق الكتب وتحرير المقالات.
* تقلده وظيفة "فقيه القرية".
لقد برزت مكانة الشيخ في وقت مبكر لا سيما في علم الحديث والتفسير حتى إن الشيخ أحمد شاكر – على جلالة قدره في هذا العلم– كان يستشيره في الأحاديث لما عرف عنه من قوة المعرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان فيه آية من آياته حفظا ومعرفة وإتقانا لمتونه وأسانيده وتخاريجه وعلله وجرحها وتعديلها.
قدومه للملكة وبقاءه في مكة وتدريسه بالمسجد الحرام:
ثم قَدِم الشيخ إلى المملكة العربية السعودية من مصر في موسم الحج هو والشيخ عبد الظاهر أبو السمح عام 1344هـ والتقيا الملك عبد العزيز آل سعود وأوعز إليهما بالبقاء في مكة لإمامة الحرمين وخدمة الدين وأهله، فأجاباه على طلبه، ثم رجعا إلى مصر للتأهب للعودة إلى مكة فوصلها الشيخ في ربيع الآخر سنة 1345هـ وعيَّنه الملك عبد العزيز مدرسا بـــ"المسجد الحرام" و"المعهد السعودي" وتفرغ مع تدريسه في ذلك الوقت إلى القراءة على الشيخ عبيد الله السندي فقرأ عليه "مقدمة صحيح مسلم" وشيئا من أول "الصحيح" و"علل الترمذي" وشيئا من أول "جامعه" و"نخبة الفكر" وأول "الموطأ" وشيئا من "حجة الله البالغة"وابتدأ هو تدريسه في المسجد الحرام بكتاب "مشكاة المصابيح" في السنة فكان الإقبال على دروسه عظيما، وإلى جانب تدريس الحديث كان يدرس التفسير كتفسير ابن كثير والبغوي، ويدرّس كذلك علوم اللغة العربية بل وكان يدرس الرياضيات أيضا وذلك لما كان له من مطالعات ومشاركات في هذه العلوم.
لقد كانت دروس الشيخ ماتعة، حيث كان فيها طلق اللسان عذب البيان متمكنا من اللغة ينبئ كلامه عن سعة اطلاع وقوة حجة، وبالجملة: فقد كانت دروسه محل عناية وتقدير الخاصة والعامة لأنه كان يراعي فيها الحكمة والّلين حين الإلقاء ويخاطب الناس على قدر عقولهم واختلاف مستوياتهم ولا ينفّر أحدا.
تعيينه إماما وخطيبا للمسجد النبوي الشريف:
وفي عام 1346هـ انتقل الشيخ إلى المدينة خطيبا للمسجد النبوي وإماما لصلاة الصبح ومدرسا ووكيلا لهيئة مراقبة الدروس فيه، وبقي على ذلك إلى ذي الحجة سنة 1347هـ ثم تحول إلى مكة في أول سنة 1348هـ وأعيد للتدريس في المسجد الحرام والمعهد السعودي.
كان للشيخ دروس خاصة لأفرادٍ من راغبي العلم في حجرته بباب علي في الحرم المكي فكان يدرسهم مختلف العلوم في العربية كالنحو الصرف والبلاغة وأصول التفسير وأصول الحديث والرياضيات كالجبر والهندسة والفلك، وولعه بهذه العلوم دفعه إلى فكرة إنشاء وتأسيس مرصد فلكي صغير على رأس جبل أبي قبيس بمكة للاستعانة بآلاته في إثبات رؤية هلال شهر رمضان وذي الحجة، فوافق حينها على هذه الفكرة الملك سعود وأصدر أمره بتنفيذها ولكن لم يكتب للفكرة التطبيق نظراً لغرابتها آنذاك.
تدريسه بدار الحديث بمكة:
وفي عام 1352هـ تأسست دار الحديث بمكة بمشاركة للشيخ في تأسيسها، ففتحت أبوابها تحت إدارة الشيخ عبد الظاهر أبو السمح وقد عهد إلى الشيخ بأن يكون مدرساً أولاً بها ومساعدا له في إدارتها، وقد كان الشيخ السند الأكبر بعد الله في بث الدعوة ونشر العقيدة السلفية التي تخرج منها الكثير من طلاب العلم ودعاة التوحيد، وبذل الشيخ جهوداً كبيرة في رفع مستوى طلاب الدار لا سيما في علوم الحديث.
وفي سنة 1372هـ /1952م تأسس في الرياض أول معهد علمي وانتدب الشيخ للتدريس به واستمر انتدابه سنة واحدة تقريبا، ثم عاد إلى مكة مدرساً بدار الحديث والحرم المكي، وبعد بلوغ الشيخ سن (الرابعة والستين) وبعد جهاد علمي متواصل وخدمة للعلم وأهله في مختلف مجالاته ونشر للمعرفة بكل الوسائل أحيل الشيخ إلى التقاعد، بيد أن أحداً لم يدر بذلك غير أقاربه، وأما غيرهم من الطلبة والذين كانوا ينهلون العلوم منه لم يشعروا بأي فرق في مجالس دروسه في الحرم الشريف وفي حجرته بل زاد نشاطه في ذلك وزاد عدد الطلاب عنده، كما شاهد المتصلون به زيادة اهتمام منه بالتأليف والتعليقات وكتابة المقالات في المجلات، وقد تخرّج على الشيخ أعداد غفيرة من تلاميذه الذين أصبحوا بعد ذلك من العلماء البارزين، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: - الشيخ عبد الله خياط.
- والشيخ علي بن محمد الهندي.
- والشيخ سليمان الصنيع.
- والشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري، وغيرهم كثير.
ومما يذكر هنا أن الشيخ رحمه الله كان صهراً للشيخ عبدالظاهر أبو السمح، وكذلك فإن الشيخ عبد الله خياط إمام المسجد الحرام تزوج بنت الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وولدت له الشيخ أسامة بن عبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام، وكذلك تزوج الشيخ عبدالله بن سليمان المسعري وزير الدولة ورئيس ديوان المظالم سابقا ابنة الشيخ محمد وأنجب منها محمد.
وفي الأيام الأخيرة من سنة 1385هـ /1965م أصيب رحمه الله بعدة أمراض وفي مقدمتها (الروماتزم) وكان بقوة توكله على الله يتجلد ويقاوم تلك الأمراض، وأخيرا انتابته مرض أجبره على الانطواء على نفسه وعدم الخلطة بالناس والاكتفاء بالمطالعة وقراءة الكتب ثم تفرغ لقراءة القرآن.
وفاته:
دخل مستشفيات مكة والطائف للاستشفاء، ثم سافر إلى بيروت فمكث بها أياما لتلقي العلاج، ثم سافر أخيرًا إلى تركيا لنفس الغرض، ثم عاد إلى مكة واشتدت عليه وطأة الأمراض فأصبح من سنة 1390هـ/ 1970م ملازما للفراش، ثم وافاه الأجل في يوم الخميس 22/ 2/ 1392هـ / 1972م وصلي عليه في الحرم المكي ودفن بالمعلاة، وقد توفي عن عمر بلغ 83 سنة مخلفا أربعة من الأبناء، وثلاثة من البنات.
مؤلفاته:
1- رسالة في الصلاة، جمع فيها كل ما يتعلق بالصلاة، وأنواعها، وأحكامها، وفضائلها وحكم تاركها، طبعت بمكتبة الإمام بالقاهرة عام1370هـ في 200 صحة.
2- "الشواهد والنصوص من كتاب الأغلال على ما فيه من زيغ وكفر وضلال"، وهو رد على القصيمي، طبع بمكتبة الإمام بالقاهرة عام 1367هـ في 200 صفحة.
3- المقابلة بين الهدى والضلال حول ترحيب الكوثري بنقد تأنيبه، طبع بمكتبة الإمام بالقاهرة 1370هـ في 72صفحة، وله طبعة أخرى حديثة بتحقيق: عبدالله بن صالح المدني ، نشر :مكتبة العلوم في 1993هـ ، الطبعة الثانية.
4- " ظلمات أبي رية"، طبع مع كتاب الشواهد والنصوص، المطبعة السلفية بالقاهرة عام 1378هـ في 331 صفحة.
5- الباقلاني وكتابه التمهيد، في رسالة جمعت بحثه وبحث الشيخ بهجت بيطار، والشيخ عبدالرحمن بن يحي المعلمي، طبع بمكتبة الإمام بالقاهرة.
6- الله رب العالمين في الفطر والعقول والأديان، رسالة لم تطبع، وقد نشر منها فصولا في مجلة الحج التي تصدر بمكة.
7- "كراسات في الجرح والتعديل"، لم تطبع.
8- مجموعة من الأحاديث المختارة المشروحة وتبيان منزلتها من الصحة، لم تطبع.
11- تحقيق كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" لابن بشر. طبعة مكة المكرمة 1349هـ.
10- تحقيق رسالة التوحيد للإمام أبي جعفر الباقر، طبع دار العباد- بيروت (1376هـ - 1956م).
11- تحقيق كتاب موارد الضمان إلى زوائد ابن حبان، طبع بالمطبعة السلفية بالقاهرة (1351هـ) وله طبعة أخرى بدار الكتب العلمية – بيروت، وعدد صفحاته (694) صفحة.
12- تحقيق كتاب الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، طبع بالمطبعة الماجدية بمكة المكرمة (1353هـ).
13- الرسالة الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، المطبعة السلفية بمكة المكرمة (1350)هـ
14- رسالة الحلف بالطلاق لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار الطباعة المحمدية بالأزهر، القاهرة (1342)هـ
15- الكبائر للذهبي، مطبعة الإمام بالقاهرة (1373ه) ـ
16- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، اشترك في تحقيقه وتصحيحه مع محمد حامد الفقي، ومحمد محي الدين عبدالحميد، مطبعة السنة المحمدية (1368هـ - 1949م).
17- تحقيق (نقض المنطق) لابن تيمية، بالاشتراك مع الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الصنيع، طبع بتصحيح محمد حامد الفقي في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الأولى (1370هـ - 1951م)
18- تحقيقات وتعليقات على كتاب "الحلية" لأبي نعيم، لم تطبع.
*وللشيخ مجموعة من الخطب ألقاها في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وله كذلك مجموع مقالات وردود نشرت في الصحف والمجلات والدوريات.
مصادر الترجمة:
(1) الشيخ العلامة المحدث محمد بن عبدالرزاق حمزة من كبار علماء الحرمين، لمحمد بن أحمد سيد احمد.
(2) نثرالدرر بتذييل نضم الدر، لعبدالله بن محمد غازي(ص:65).
(3) قرة العين في أسانيد شيوخي من الحرمين، لمحمد ياسين الفاداني (2/ 445).
(4) أعلام المكيين، لعبدالله عبدالرحمن المعلمي (1/ 397-398 )
(5) الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان، لزكريا عبدالله بيلا (1/ 356-359).
(6) تاريخ أمة في سير أئمة، لصالح بن حميد (3/ 1192-1194).
(7) المسجد الحرام في قلب الملك عبدالعزيز لعبدالله منسي العبدلي (ص:187).
(8) أئمة المسجد الحرام ومؤذنوه في العهد السعودي، لعبدالله سعيد الزهراني (ص:33).
(9) العناية بالقرآن الكريم في مكة المكرمة خلال القرن الرابع العشر للهجرة، لأحمد بن محمد مغربي(ص:166).
(10) وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم، ليوسف محمد الصبحي (ص:369).
(11) الأعلام، للزركلي (6/ 203).
(12) المدرسون في المسجد الحرام من القرن الأول إلى العصر الحاضر، لمنصور بن محمد النقيب(3 /446).
(13) تاريخ التعليم في مكة المكرمة ورجالاته، لفاروق بنجر(3/ 74).
(14) أئمة الحرمين "1343هـ - 1432هـ"، لعبدالله العلاف ( ص:25- 26).
(15) دور علماء المملكة في خدمة السنة والسيرة النبوية، لعبدالعزيز بن محمد السعيد (ص:14).
(16) دور علماء مكة المكرمة في خدمة السنة والسيرة النبوية، لرضا بن محمد السنوسي (ص:52).
(17) صلاة التروايح أكثر من ألف عام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لعطية محمد سالم.
(18) طيبة وذكريات الأحبة، لأحمد أمين مرشد.
(19) تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا، لمحمد إلياس عبدالغني.
(20) العيش في مكة المكرمة، لمحمد علي حسين الجفري.
(21) صحيفة عكاظ عدد ( 6749) في 12/ 4/ 1405هـ لعبدالله خياط، مقال بعنوان: "شخصيات لها أثر في نفسي".
(22) صحيفة البلاد عدد (851) في 11/ 7/ 1407 لمحمد أبو بكر سلامة: "حياتهم".
(23) مجلة الحج والعمرة ، السنة 60 عدد 3 في ربيع الأول 1426هـ، لمحمد باوزير: "وجوه وأمكنة"
(24) مجلة المنهل جمادى الأولى 1392هـ.