بدأ رحمه الله مشواره العلمي بحفظ القرآن الكريم، وقد أتمّ حفظه ولم يتجاوز العاشرة من عمره على يد الشيخ علي بن داود، ثم شرع في تلقي العلوم من حلقات العلماء، ومساجد المنطقة، فأقبل عليه بهمة عالية، وجد ومثابرة وعناية، فأخذ عن كثير من المشايخ، وفي مقدمتهم والده الشيخ حسن بن حسين، فقد استفاد منه علما وأدبا وخلقا، ومن شيوخه الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن أخذ عنه التجويد، ومنهم الشيخ حمد بن فارس درس عليه اللغة والنحو، ومنهم الشيخ عبد الله بن راشد بن جلعود، أخذ عنه علم الفرائض، ومنهم الشيخ أحمد بن عيسى، والشيخ سليمان الندوي من كبار علماء الهند، والشيخ ثناء الله الهندي، ومنهم الشيخ محمد بن محمود، وقد قرأ عليه الفقه وأصوله، ومنهم الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن درس عليه التوحيد، كما لازم الشيخ سعد بن عتيق، ودرس عليه الفقه، والحديث، والتفسير، وأجازه فيما تجوز له روايته في التفسير والحديث.
بعد أن أتم الشيخ حفظ القرآن وهو صغير، وجوده وأتقنه، تولى إمامة مسجد الإمام عبد الرحمن الفيصل المعروف بمسجد الديوانية وذلك عام 1302ه، وعمره آنذاك لم يتجاوز الخامسة عشرة، وبقي في هذا المسجد إماما حتى عام 1329ه حيث انتقل فيه إلى مسجد الظهيرة، إلا أن إصرار أهل المسجد السابق جعله يرجع إلى مسجد عبدالرحمن الفيصل، فرجع فيه إماما ومدرسا، وقد انتفع به طلاب كثيرون، ودرسوا على يديه، وكان يقوم بالتدريس والتوجيه فانتفع به خلق كثير، ولما بدأ الملك عبدالعزيز رحمه الله بتحضير البادية وتوطينهم ببناء القرى والمدن عين الشيخ عبدالله على الأرطاوية، وذلك حينما رافق هذا التوطين بعث العلماء والدعاة لتثقيف أهل البادية وتعليمهم، وكانت الأرطاوية من أكبر القرى التي أنشأها الملك عبدالعزيز ويسكنها ما يزيد على عشرين ألفاً، فبقي فيها الشيخ عبدالله يعلمهم ويوجههم، ويرفع عنهم الجهل، ويعظهم بالسنة، ويربيهم على الأدب والأخلاق الإسلامية، وبقي كذلك قرابة العام والنصف، ثم طلبه الملك عبدالعزيز وعينه قاضيا وإماما للجيش، وجعله مستشارا له، فكان يرافق الملك عبدالعزيز في رحلاته وفتوحاته، وقد شهد معه فتح مدينة حائل، وفي عام 1340ه بعثه مع ابنه فيصل إلى عسير ثم عادا منتصرين، وفي عام 1343ه رجع إلى عمله كإمام للجيش، وبقي كذلك إماما ومفتيا ومستشارا للملك عبدالعزيز، وقد صحبه في أداء الحج سنين عديدة، ثم في عام 1344ه عينه الملك عبد العزيز إماماً وخطيباً ومدرساً ومرشداً في الحرم المكي، ثم اختاره رئيسا للقضاة خلفا للشيخ عبدالله بن بليهد وذلك عام 1346ه، كما أسند إلى الشيخ رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان هو يتولى تعيين المؤذنين والمرشدين والمدرسين في المسجد الحرام، كما أنه كان يخطب بالحجيج في نمرة كل عام حتى أخلف ابنه عبدالعزيز، وإضافة إلى كل هذا كان رحمه الله يتولى مراقبة ما يرد إلى البلاد من المطبوعات والكتب التي توزع على طلبة العلم على نفقة الملك عبد العزيز رحمه الله، وقد قام رحمه الله بأداء هذه المهام خير قيام، وبذل فيها جهده، وكان يوزع نشاطه العلمي والعملي على مدن الغربية، فكان في الصيف يذهب إلى المدينة المنورة ليشرف على أعمال المحاكم، وأعمال الحسبة، وعلى المدرسين في المسجد النبوي.
تولى الشيخ التدريس في مسجده في الرياض، وبقي فيه سنوات يدرس ويوجه ويربي، ولما كان في مكة المكرمة درس في الحرم المكي، كما درس في بيته، وكان بيته عامرا بالطلبة، وكان لايردهم بل يأنس بهم، ويفرح لقدومهم، ويعينهم ويتفقد أحوالهم، وكان يوجههم ويساعدهم، بل ويدعمهم بما يستطيع خاصة في شراء الكتب العلمية، والنفقات الضرورية حتى يتفرغوا للعلم، فكان معلما وأبا في ذات الوقت، فأحبه الناس وأحبه طلبة العلم، وخرج أجيالا من طلبته حملوا العلم في شتى البقاع، وكان من طلابه من شغل المناصب الرفيعة، فمنهم القضاة والمفتون والمدرسون والوعاظ، كما أنه كان لا يدع وسيلة تساعد في نشر العلم الشرعي إلا استخدمها، ولا عرف طريقة إلا سلكها، وكان يحث طلابه على البحث والمراجعة والحفظ، ومن طلابه الشيخ عمر بن حسن وهو أخوه، كما كان من طلابه البارزين ابناه عبدالعزيز وحسن، وقد قرأ عليه ابنه حسن الكثير من الكتب وختم القرآن على يديه عدة مرات، وكذلك ابنه عبدالعزيز قرأ عليه في الفقه والتوحيد، ومن الكتب التي قرأها عليه كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبدالله وكان مخطوطا في ذلك الوقت، ومن طلابه الشيخ الجليل عبدالعزيز بن محمد الشثري، والشيخ عبد الرحمن بن عقلا، والشيخ عبدالله بن إبراهيم العمار، وهو أول رئيس لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحرم المكي، كما كان من طلابه البارزين الشيخ محمد عبدالظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي، قرأ عليه في التوحيد، والفقه وأصوله، ومنهم الشيخ محمود شويل، قرأ عليه رد عثمان بن سعيد الدارمي، وقرأ عليه كثيرا في التوحيد والحديث والتفسير، ومنهم الشيخ علي بن محمد الهندي، قرأ عليه كتبا كثيرة منها مجموع الرسائل والمسائل النجدية، ومنهم الشيخ محمد بن مشبب الوهابي، والشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن حسن آل الشيخ، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، والشيخ عبد الله بن فواز، وغيرهم كثير.
كان الشيخ في دروسه يستخدم أسلوب المراجعة والتوثيق، وكان رحمه الله واسع المعرفة، كثير الاطلاع، فكان لا يأخذ مسألة إلا ويدرسها م كل جانب، فاستفاد منه الطلاب كثيرا لسعة علمه واطلاعه، وحسن تقريره للمسائل، كما أنه كان معروفا عنه اتباع الحق، وترك أقوال الرجال إلى الحق أينما كان، فماكان متعصبا لمذهب أو قول أو عالم، بل كان متجردا للحق يتبع الدليل أينما ذهب، وربى طلبته على تتبع الدليل، وحب الكتاب والسنة، وتقديمها على كل الأهواء والآراء، وكان مدافعا عن المنهج السلفي منافحا عنه، وقد ناقش العديد من العلماء الذين يأتون من خارج المملكة إلى الحج، فيجلس معهم ويبين لهم حقيقة الدعوة السلفية، وكان لكلامه قبول عند كثير من العلماء.
عرف رحمه الله بزهده وورعه وصلاحه، وكان لا يرد السيئة بمثلها بل يعفو ويتجاوز، كما كان شديد العناية بالناس وتفقد أحوالهم، كما كان صبورا على الأذى الذي ناله كثير منه أثناء أداءه مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يتفقد موظفيه ويعفو إن أخطؤوا، وكم مرة زل قلم كثير من الكتاب فكان يطلبهم وينصحهم، وقد امتلك قلوب موظفيه بعطفه وإحسانه إليهم، وحسن معاملته معهم، وكان الشيخ يظهر عليه سمت العلماء وهديهم، مثابرا على أعمال البر والخير، يقول ابنه حسن: (كان حريصا كل الحرص على تعاليم دينه، وعلى فضائل الأخلاق، وكان صارما في الخير قويا في التوجيه، يتعهدنا بالنصائح الجامعة، والمواعظ البالغة...كان حريصا على اتباع السنة في كل قول وفعل...متواضع لا يعرف الكبر ولا العجب سبيلا إلى نفسه، كنت لا أراه إلا ممسكا بكتابه يقرؤه قراءة الباحث المنقب) وكثرة اطلاع الشيخ وسعة علمه أورثتاه دقة في النظر إلى الأمور، وبصيرة في اتخاذ القرارات، فكان الملك عبدالعزيز يعتمد عليه كثيرا بعد الله في كثير من القضايا التي تحتاج إلى قرار صائب، وهمة وشجاعة، وكان له الدور الأكبر في إزالة المظاهر الشركية، والمخالفات العقدية التي كانت منتشرة في مكة المكرمة حينما دخلها الملك عبدالعزيز، كما كان رحمه الله يعتز بالعلماء ويحتفي بهم، ومن ذلك أنه مرة دعا الملك عبد العزيز العلماء إلى اجتماع في جدة، وبادرهم الملك عبدالعزيز الحديث بأنه يريد طرح أمر لايحتمل النقاش، فغضب الشيخ عبدالله وأراد الانصراف، فلما سئل عن السبب قال بأن العلماء مهمتهم إبداء الرأي والمشورة، والنصح للمسلمين وولاة أمرهم، فأقره الملك عبدالعزيز ورجع إلى كلامه، وهذا إن دل فإنما يدل على حبه لأهل العلم، وإدراكه لمهمتم التي وكلهم الله إليها، ونصحه وحبه لولاة أمر بلاده.
تعب الشيخ آخر عمره بعد أن كبر به العمر، فأناب ابنه عبدالعزيز في دراسة الأوراق التي تعرض عليه، وإجراء اللازم حيال ماورد فيها بعد عرض خلاصتها عليه وأخذ رأي علماء الرئاسة فيها، وكان منقطعا رحمه الله للعبادة والتدريس والإشراف على طباعة كتب العقيدة ونشرها، وكان يصلي في الحرم ويرجع إلى منزله، وبقي كذلك حتى اشتد عليه المرض، فتوفي رحمه الله صباح السبت السابع من رجب عام 1378 هـ، وقد صلي عليه في المسجد الحرام، وكان في مقدمة المصلين الملك سعود رحمه الله، ثم دفن في مقبرة العدل، وشاررك في تشييعه علماء وأعيان مكة المكرمة، وطلاب العلم من كل مكان، وصلي عليه صلاة الغائب في كثير من مساجد المملكة العربية السعودية، وقد رثاه جمع كبير من العلماء والكتاب في الصحف والمطبوعات، فممن رثاه أخوه الشيخ عمر وابنه الشيخ حسن، ومنهم الشيخ عبدالله خياط، والشيخ عبدالله البسام، كما رثاه الشاعر أحمد بن إبراهيم الغزاوي نائب رئيس مجلس الشورى بقصيدة مطلعها:
ما للعيون بمائها تتحجر وقلوبنا بالحزن تتفجر
حبر من الرحمن يفجع نعيه كانت به التقوى تعز وتفخر
كما رثاه الشيخ عبدالله بن خميس بقصيدة مطلعها:
سل العلم عن أحباره وفحوله وقف بي على آثاره وطلوله
مصادر ترجمته:
1/ أعلام المكيين لعبدالله بن عبدالرحمن المعلمي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الطبعة الأولى 1421هـ. (9)
2/ أئمة الحرمين لعبدالله بن أحمد آل علاف الغامدي، دار الطرفين للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1436ه (265-275)
3/ الثبت الكبير في مشيخة وأسانيد وإجازات الشيخ حسن المشاط، دراسة وتحقيق: محمد عبدالكريم، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 1426ه (74)
4/ سير وتراجم لعمر عبدالجبار، دار تهامة، الطبعة الثالثة 1403هـ (176-178)
5/ علماء نجد خلال ثمانية قرون لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار العاصمة، الطبعة الثانية 1419ه. (1/231-241)
6/ المسجد الحرام في قلب الملك عبدالعزيز للشريف عبدالله بن منسي العبدلي، الطبعة الأولى 1419ه. (153-162)
7/ مشاهير علماء نجد وغيرهم لعبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ ،دار اليمامة، الطبعة الثانية 1394هـ. (152-163)
8/ الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ 1287هـ - 1378 هـ. حياته وجهوده، للوليد بن عبدالرحمن آل فريان، نشر جامعة أم القرى 1426 هـ-2005 م.
9/ وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم ليوسف بن محمد بن داخل الصبحي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1426ه(209-210)
10/ المدرسون في المسجد الحرام من القرن الأول حتى العصر الحاضر لمصور بن محمد بن عبدالله النقيب. معهد صفوت الصفوة للعلوم التطبيقية، الطبعة الأولى 1433ه. (2/401-402) ترجمة رقم (581)
11/ تاريخ أمة في سير أئمة لصالح بن عبد الله بن محمد بن حميد، مركز تاريخ مكة المكرمة ، 1433هـ. (3/1177-1186)
12/ عمادة شؤون المكتبات بحامعة أم القرى
https://uqu.edu.sa/lib/755
ترجمة خاصة لموقع علماء مكة أعدها إبراهيم محمد صديق