نشأته وبداية طلب العلم:
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبدالعزيز السبيل، من آل غيهب من قبيلة بني زيد، انتقل جده من شقراء إلى عنيزة، ثم انتقل منها والده إلى البكيرية – وهي إحدى محلات القصيم- وفيها ولد رحمه الله عام 1321هـ، نشأ في رعاية والده المعروف بالصلاح، وكان من طلبة العلم وحافظا للقرآن، كما كان إماما لأحد مساجد البكيرية، فرباه أحسن تربية، وغرس فيه الأخلاق الحسنة، وأنشأه على العلم والتعلم، وعلى حسن الأخذ عن العلماء، وغرس فيه حب الصلاح والخير، وكان لهذا أثر كبير في أخلاقه الحسنة، وتوجهه للعلم الشرعي منذ صغره وحبه له، عندما بلغ سن التمييز أدخله والده كُـتَّاب خاله الشيخ: محمد بن علي المحمود، فتعلم على يديه المبادئ الأساسية في التعليم من قراءة وكتابة، وحفظ القرآن الكريم عليه وعلى والده.
مشايخه:
ثم بدأ رحلته العلمية فأخذ في تلقي العلوم الشرعية على يد عدد من العلماء الأجلاء منهم:
- الشيخ عبد الله بن سليمان البليهد؛ رئيس القضاة في الحجاز، وقد قرأ عليه بعض المختصرات في التوحيد والفقه.
- ومنهم الشيخ حمد بن سليمان البليهد، حيث تولى قضاء البكيرية بعد أخيه عبدالله، وقرأ عليه في التوحيد والحديث والفقه وغيرها.
- ومنهم الشيخ محمد بن مقبل آل مقبل، قاضي البكيرية بعد الشيخ حمد البليهد، وقد لازمه واستفاد منه فائدة كبيرة، وبقي معه يدرس عليه حتى توفي رحمه الله، وقد قرأ عليه كثيرا من الكتب في غالب العلوم الشرعية كالتوحيد والفقه والحديث وغيرها.
- ومنهم الشيخ محمد بن عثمان الشاوي، المدرس بالمعهد العلمي السعودي بمكة، والمدرس بالمسجد الحرام، كان يقرأ عليه حينما كان يأتي في الصيف إلى البكيرية ويبقى بها بضعة أشهر، فيلازمه للقراءة عليه.
- ومنهم الشيخ صالح بن عبدالله الشاوي، قرأ عليه في علم النحو، وغيره من علوم اللغة.
بعد أن أخذ رحمه الله عن علماء بلده ومن كان يقدم عليها، رحل لطلب العلم والاستزادة منه، ففي عام 1340هـ خرج إلى بريدة والتقى فيها بالشيخ عمر بن محمد بن سليم؛ رئيس قضاة القصيم، ودرس عليه سائر العلوم الشرعية والعربية، واستفاد منه كثيرا في علم الفرائض والنحو والفقه، كما قرأ على عدد من علماء بريدة، منهم: الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي، وكان يقرأ عليه كثيرا وانتفع به ولازمه، يقول الشيخ عبدالعزيز السبيل: " كنت أجلس للقراءة عليه وللقراءة له ـ حيث كان مكفوف البصر، في خلوة في مسجد الشيخ عمر بن سليم الليالي الكثيرة، وكنا لا نشعر بالوقت أحياناً إلا بأذان الفجر الأول، فآخذ بيده وأوصله إلى بيته" ومن الأماكن التي رحل إليها لطلب العلم: مدينة عنيزة، التقى فيها بالشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، فأخذ عنه وكان يسأله عما يشكل عليه من مسائل علمية، كما كان يراسله ويرد عليه الشيخ السعدي، وغير هؤلاء كثير.
كان رحمه الله معروفا بالجد والاجتهاد في الطلب، فعرفه العلماء وقربوه، وكان ذا ذاكرة قوية، حفظ العديد من المتون أثناء طلبه للعلم، منها: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعمدة الأحكام، وبلوغ المرام، في الحديث، وزاد المستقنع في الفقه، وملحة الإعراب في النحو، كما كان يحفظ الكثير الأدب والشعر.
تميز الشيخ رحمه الله بعلمه الواسع ومحفوظاته، وعرف هذا مشايخه، فألحّ عليه شيخه محمد بن مقبل قاضي البكيرية في وقته بالتدريس، خاصة علمي النحو والفرائض نظرا لعدم تدريس الشيخ محمد مقبل لهذين الفنين، فجلس للتدريس عام 1349هـ، وكان يدرس الآجرومية وقطر الندى وألفية ابن مالك وغيرها في النحو، وأما الفرائض فكان يجلس لتدريسها بعد صلاة المغرب، يدرس فيه متن الرحبية وشروحها، وغيرها، وقد استفاد منه الطلاب كثيرا لأن طريقة تدريسه تعتمد على التدريب والتطبيق أكثر من الدروس النظرية، واستمر ـ رحمه الله ـ في تدريس هذين العلمين فقط حتى عام 1351هـ، وصار يدرس من هذا العام سائر العلوم الشرعية، كما كان يدرس الكتب المطولة كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي وغيرها. وككتب الأمهات الست في الحديث، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، واستمر يدرس رحمه الله حتى عام 1386هـ.
توليه للقضاء:
في عام 1360هـ عين رحمه الله في قضاء البكيرية وما يتبعها من البلدان كالخبراء والهلالية والشيحية، خلفاً لشيخه الشيخ محمد بن مقبل، واستمر فيه إلى أن طلب الإعفاء منه سنة 1366هـ، وكان مستمرا في دروسه مع وظيفته في القضاء، وبعد طلبه الإعفاء ظلّ يدرس العلوم الشرعية حتى عام 1386هـ،.
انتقتاله إلى مكة وتدريسه في معهد الحرم المكي:
وفيه -أي في عام 1386هـ- انتقل رحمه الله إلى مكة المكرمة، وبدأ يدرس في معهد الحرم المكي نزولا عند رغبة الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام: الشيخ عبد الله بن حميد، واستمر يدرس في المعهد حتى عام 1398هـ، ومع ذلك لم ينقطع عن إفادة منطقته التي ولد فيها لحبه لنشر العلم بين الناس، فكان في الإجازات يرجع إلى البكيرية ويدرس فيها.
في نفس العام التي انتقل فيها إلى مكة المكرمة -أي عام 1386ه- ألزم مرة أخرى بالقضاء، واستمر فيه إلى سنة 1378هـ، وفي أثناء توليه قضاء البكيرية عرضت عليه مناصب قضائية عليا اعتذر عنها، وذلك كرئاسة المحكمة الكبرى بمكة سنة 1370هـ، وكان يقوم بالإمامة والخطابة، والإفتاء، وعقود الأنكحة، وغيرها من الأعمال الدينية، ثم اقتصر على الإفتاء بعد تركه القضاء.
تلاميذه:
تميزت دروس الشيخ رحمه الله في البكيرية ومكة بالبسط؛ نظرا لعلم الشيخ واطلاعه الواسعين، وكان له تلاميذ كثر تتلمذوا عليه، ومنهم من تبوأ مناصب علمية عالية، ومن أِشهرهم:
- الشيخ إبراهيم الراشد الحديثي رئيس محاكم أبها.
- والشيخ محمد بن صالح الخزيم.
- والشيخ سليمان بن صالح الخزيم.
- والشيخ صالح بن إبراهيم الطاسان.
- والشيخ عبد الله بن عبد العزيز الخضيري قاضي عفيف.
- والشيخ عبد الله بن محمد الخليفي إمام وخطيب المسجد الحرام.
- والشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإمام وخطيب المسجد الحرام.
- والشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى.
- والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك الأستاذ بكلية أصول الدين بالرياض، وغيرهم كثير.
كان رحمه الله آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، انقطع في آخر حياته للعبادة والطاعة، وكان ذا زهد وورع وتقوى، وكان العلماء يثنون عليه وعلى علمه، وقد قال عنه الشيخ عبد الله البسام:" من فقهاء نجد الكبار"، وقال عنه فضيلة الشيخ عبد الله الخليفي إمام وخطيب المسجد الحرام: "إن شيخنا رحمه الله....كانت له اليد الطولى في علم الفقه، والحديث، والنحو، والصرف، وعلم المواريث".
وفاته:
أصيب - رحمه الله- قبل وفاته بأربع سنوات بجلطة يسيرة في المخ، أصيب معها بثقل في اللسان، ثم ازدادت معه هذه الجلطة حتى أفقدته القدرة على النطق، مع ضعف في الذاكرة والجسم مما ألزمه الفراش مدة عامين، حتى توفاه الله ليلة السبت الحادي والعشرين من شهر صفر لعام 1412هـ، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر من يوم السبت، وأمَّ الناس في الصلاة عليه شقيقه إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ محمد بن سبيل، ودفن في مقبرة العدل، وحضر الصلاة عليه وتشييعه جمع كبير من العلماء وطلاب العلم، وعدد من أعيان مكة.
مرثية الشيخ محمد السبيل -وهو شقيقه- فيه:
رثي - رحمه الله- بمراث عديدة شعراً ونثراً، نشرت في عدد من الصحف والمجلات، فمما قيل فيه من المراثي الشعرية، مرثية شقيقه الشيخ محمد بن سبيل وفيها:
لقد فجعنا بـموت الحبـر عالمـنــا
عبد العزيز الذي قد ضمه المـدر
يبكـي عليه الورى تبكي مجالســـه
تبكي له حلق تتلى بها الســـور
تبكي مساجــدها تبكي منابرهــــا
تبكي المحابر والأقـلام والزبـر
مؤلفاته:
له ثلاث مصنفات، لكنه لم يتمها وهي:
- شرح المنتقى للمجد ابن تيمية، وقد عني بشرحه في بيان مطابقة تراجم الأبواب لمذهب الإمام أحمد، وبيان أوجه الاستشهاد من الأدلة للتراجم.
- كتاب في الفقه الحنبلي، على طريقة السؤال والجواب مع بيان الراجح من الروايات في المذهب في بعض المسائل من حيث الدليل، وغالبها مبني على اختيارات شيخ الإسلام وترجحيحاته.
- مختصر في أصول الفقه، على طريقة السؤال والجواب.
مصادر ترجمته:
1- تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1422هـ.(1/ 301)
2- علماء نجد خلال ثمانية قرون لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار العاصمة، الطبعة الثانية 1419هـ.(3/ 467-483).
3- المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم، لإبراهيم بن محمد بن ناصر السيف، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1426هـ.(3/ 404-423).
4- نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر وبذيله عقد الجوهر في علماء الربع الأول من القرن الخامس عشر ليوسف المرعشلي، دار المعرفة، الطبعة الأولى 1427هـ .(1933-1934).