ولد رحمه الله بجربة سنة 1292هـ ، وبقي فيها إلى أن بلغ السابعة من عمره، فرحل به والده إلى تونس، بدأ في حفظ القرآن الكريم وتجويده على شيخه المنبجي، وبدأ يتعلم مبادئ العلوم الشرعية على أيدي علماء بلده، وكان أبواه حريصين أشد الحرص على تثقيفه وتعليمه، فوجههاه منذ الصغر نحو العلم الشرعي، فاشتغل به طيلة عمره دراسة وتدريسا، وكان لاهتمام والديه أثر كبير في توجهه إلى العلم الشرعي، كما كان أبواه يربيانه على الأخلاق الفاضلة، وحب الغير، والإحسان إليهم، وتقدير العلماء والأخذ عنهم، وعلى هذا تربى الشيخ.
عندما بلغ الحادية عشرة من عمره رحل بمعيّة والده إلى مكة وكان ذلك عام 1303ه، فحج هذا العام مع والده، ثم أخذه والده إلى المدينة المنورة عام 1304ه، واستقر فيها وأخذ يتبحر في العلوم الشرعية فيها، وقد أكمل حفظ كتاب الله على الشيخ إبراهيم الطرود، وشرح الله صدره للعلم، وكان قد أوتي حرصا واجتهادا، حفظ المتون العلمية ودرسها على أعلام العلماء من مختلف العالم الإسلامي ،كالمدينة، وتونس، وفاس، ودمشق، ومكة ، واليمن، ومن أبرز مشايخه: الشيخ محمد بن جعفر الكتّاني، والشيخ أحمد بن إسماعيل البرزنجي، وقد قرأ عليه كتبا كثيرة مثل مغني اللبيب في النحو، وشذور الذهب لابن هشام، وألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل، مع حاشية الخضري من الأول إلى الآخر، وحاشية الرملي على الزبد لابن رسلان في الفقه الشافعي، وأكثر صحيح البخاري ومسلم، ومنهم: الشيخ محمد بن عبدالله الكتّاني، والشيخ عبد الحي الكتّاني، والشيخ فالح بن محمد فالح الظاهري، قرأ عليه صحيح البخاري من أوله إلى آخره، ومن شرح الدردير في الفقه المالكي، وشرح المكودي على الألفية ، وعقود الجمان في علم المعاني والبيان، ومنهم: الشيخ محمد علي بن ظاهر الوتري، أخذ عنه صحيح البخاري ومسلم، ومشكاة المصابيح، وسمع عليه المسلسلات الخمسين، والأربعين العجلونية، وقد كتب له إجازه بخطه، ومنهم: الشيخ حسين بن محمد الحبشي، والشيخ محمد بن سليمان حسب الله المكي، والشيخ حسين بن علي العمري الصنعاني، والشيخ محمد يحيى الشنقيطي، قرأ عليه موطأ الإمام مالك من أوله إلى آخره، وشرح عقود الجمان، والورقات لإمام الحرمين في أصول الفقه، ومحمد ياسين الفاداني. وغيرهم كثير .
اشتغل رحمه الله بسائر العلوم الشرعية، وبرع فيها، وكان أكثر براعة في علمي الحديث والبلاغة، وقد حصل على إجازات من شيوخه، وأذنوا له بالتدريس، فدرّس في الفقه المالكي والأصول والنحو والصرف والحديث والتفسير وغيرها من الفنون.
بدأ الشيخ رحلته العملية بالتدريس بمدرسة الفلاح في مكة المكرمة، وقد بدأ يدرس فيها من عام 1334ه إلى عام 1351ه، انتفع فيها الطلاب منه انتفاعا كبيرا، وفي عام 1348ه صدر أمر الملك عبدالعزيز بالموافقة على تأليف هيئة التدريس والمراقبة في الحرم المكي فكان الشيخ عمر من ضمنهم، وفي عام 1352ه انتقل الشيخ رحمه الله للتدريس بالمدرسة الصولتية، وكانت المدرسة منارة العلم في مكة المكرمة، وكان فيها علماء كثيرون، فدرس معهم وبقي فيها حتى عام 1365ه.
كان للشيخ رحمه الله دروس في الحرم المكي، وكانت له خلوة في باب العمرة، وكان يدرّس في الشتاء في حصوة باب العمرة بالمسجد الحرام، وكانت دروسه تمتد من بعد الفجر إلى العشاء ولا يخرج من الحرم إلا قليلا، وكان يتنقل في عدد من الأماكن فقد كان يدرس أحيانا عند باب الداودية، وعند رواق باب العمرة أحيانا أخرى، بمكة المكرمة، وفي الصيف بالمدينة المنورة خلف المكبرية وبجوار قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس في الحرم وأمامه حمل بعير من الكتب يطالع المسائل في الليل أو النهار، وكان جهوري الصوت، يصل صوته من مجلسه في باب العمرة إلى الجالس في باب السلام، ولُقِّب بمحدث الحرمين لعنايته بتدريس الحديث، وقد ختم كتب الحديث الستة في الحرم المكي ومستدرك الحاكم والشمائل للترمذي وألفية ابن مالك وغيرها من الكتب، وكان ذا ذاكرة قوية يشرح من حفظه، وكان بيته يغص بالطلاب ويستقبلهم بصدر رحب، ويتناقشون في المسائل العلمية الكثيرة، ويتباحثون حول تراجم رجال الحديث، من تلامذته: حسن المشاط، وأحمد بن الصديق الغماري، وعلوي بن عباس المالكي، وعبدالله بن غازي الهندي، وأبو بكر الحبشي، وعبدالله بن محمد الغماري، وزكريا بيلا وغيرهم كثير. وكان يقصده كبار العلماء خاصة في المواسم، حيث ينزلون عنده في الحج كبار علماء المغرب، وكان يدعو طلابه إلى الاستفادة منهم والأخذ عنهم.
قام رحمه الله برحلات إلى الشام ومصر والمغرب واليمن، وحصّل فيها فوائد عديدة، ونال مزايا فريدة، وقابل أئمة أعلاما، وكان مفيدا مستفيدا، وقد ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم في الثبت المسمى "مطمع الوجدان من أسانيد عمر حمدان" ، الذي صنّفه تلميذه محمد ياسين الفاداني، ثم اختصره في "إتحاف الإخوان باختصار مطمع الوجدان"، وكان ممن قابل في مصر: الشيخ أحمد رافع الطهطاوي، ومحمد بخيت المطيعي، وعبدالرحمن قراعة وغيرهم.
كان زاهدا وقد كاد أن يهلك أيام الحرب العظمى لبقائه في المدينة رغم خروج الناس عنها خوفا من المجاعة، وكان عابدا لا يفتر عن ذكر الله، ومحبا للسنة النبوية، عطوفا على الطلاب ومشجعا لهم على التعلم، ويساعدهم بما يستطيع، وكان رجاعا إلى الحق،كان في آخر حياته يعتكف في حصوة باب العمرة.
وقد كان الشيخ مولعا بالكتب قراءة وجمعا، وكان يستنسخ المخطوطات فصارت له مكتبة عظيمة، وهي ملحقة بمكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، والمكتبة مسجلة ضمن المكتبات الموقوفة.
زاد مرض الشيخ رحمه الله عام 1368ه فجلس في بيته إلى أن وافته المنية في التاسع من شوال، وصلي عليه في المسجد النبوي، ودفن بالبقيع.
ألف ثبتا صغيرا اقتصر فيه على ذكر الكتانيين: محمد بن جعفر الكتاني و محمد بن عبدالكبير الكتاني، ومحمد عبد الحي الكتاني، طبعت بمكة المكرمة في مكتبة الاقتصاد عام 1367ه، ولم يعد طبعه.
مصادر ترجمته:
1- أعلام من أرض النبوة، لأنس بن يعقوب الكتبي، الخزانة الكتبية الحسنية الخاصة، الطبعة الأولى 1437ه ( 412-424).
2- الثبت الكبير في مشيخة وأسانيد وإجازات الشيخ حسن المشاط، دراسة وتحقيق: محمد عبدالكريم، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 1426ه (77،162-163)
3- الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان. لزكريا بيلا. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، دراسة وتحقيق: عبدالوهاب أبو سليمان، محمد بن إبراهيم. 1427ه. (1/146).
4- الدور التربوي لحلقات العلم بالمسجد الحرام في عهد الملك عبدالعزيز. لحسن بن محمد شعيب، 1428ه (237-241)
5- سلّ النصال للنضال بالمشايخ وأهل الكمال، لعبد السلام بن عبدالقادر بن سودة، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1417ه. (137)
6- سير وتراجم لعمر عبدالجبار، دار تهامة، الطبعة الثالثة 1403هـ ( 204-207)
7- فيض المبدي لمحمد بن ياسين الفاداني، دار البشائر الإسلامية، 1429ه (76-88)
8- محدث الحرمين عمر بن حمدان بن عمر المحرسي المكي المدني، العلامة، الثبت، المسند، الإمام، لرضا بن محمد صفي الدين السنوسي، مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة.
9- معجم المعاجم والمشيخات، والفهارس والبرامج والأثبات. ليوسف المرعشلي، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1423ه (2/478-481)
10- نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر وبذيله عقد الجوهر في علماء الربع الأول من القرن الخامس عشر ليوسف المرعشلي، دار المعرفة، الطبعة الأولى 1427هـ . (931-934).