نشأ الشيخ محمد الحركان في المدينة المنورة على يد والده الذي اهتم به، ورباه على تلقي العلم وحبه، فحفظ القرآن وعمره سبع سنوات، كما رباه على حسن الخلق، والتأدب مع العلماء، وكان لذلك أثر في شخصية الشيخ فيما بعد، وحين وصل سن الشباب شرع في طلب العلم في مدرسة العلوم الشرعية، والتي أسسها في المدينة المنورة الشيخ أحمد بادي، كما بدأ في تلقي العلم من علماء المدينة الأجلاء في الحرم النبوي، مثل الشيخ محمد الطيب الأنصاري، والشيخ محمد بن عثمان القاضي، والشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن محمد العمري، والشيخ محمد العلي التركي، وتوفيق بن عمر بن محمد بن عثمان، والشيخ محمد الشبكسي، درس عليهم العلوم الدينية واللغوية وعلوم التفسير والحديث النبوي.
بعد أن أخذ حظا وافرا من العلوم الشرعية، وبعد أن عرف بالحرص في طلب العلم، والجد والاجتهاد فيه، أجيز بالتدريس في المسجد النبوي، فبدأ يدرس فيه من عام 1352ه، وكان عمره آنذاك في العشرينات، وقد كان يلقي دروسه في أول النهار وبعد العصر.
استمر بالتدريس في المسجد النبوي حتى تولى القضاء لبلدة العلا عام 1356ه، ثم طلب الإعفاء فأعفي وعاد إلى المدينة وأكمل تدريسه في المسجد النبوي، وفي عام 1372ه عين قاضيا بجدة، وتدرج في المناصب حتى صار رئيسا للمحكمة بها عام 1378ه وبقي كذلك حتى عام 1390ه، حيث صدر في هذا العام أمر ملكي بتعينه وزيرا للعدل ـ واستمر في منصبه إلى عام 1396ه فكان أول وزير في هذا المنصب، كما كان الشيخ رئيسا لمؤتمر المنظمات الإسلامية الذي عقد بمكة المكرمة برابطة العالم الإسلامي عام 1394ه، وفي عام 1396ه انتخب أمينا عاما لرابطة العالم الإسلامي، وظل في منصبه هذا حتى توفي رحمه الله، وصار للرابطة نشاطٌ ملموسٌ في عهده، وكان يسافر كثيرا إلى الكثير من الدول الإسلامية، ولا يفتأ من مقابلة الوفود الإسلامية القادمة إلى المملكة، فنشطت الرابطة، وصارت جهودها ملموسة في كل الجوانب، وكان الشيخ يقوم بنفسه بمتابعة مهام الرابطة وتنفيذها، وقد عرف عنه النشاط في كل مافيه منفعة عامة للمسلمين، وإضافةً إلى المناصب المذكورة كان الشيخ عضوًا في هيئة كبار العلماء، كما كان نائبًا لرئيس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وعضوا في مجلس القضاء الأعلى، وعضوًا بهيئة جائزة الملك فيصل العالمية بالرياض، وعضوا في مؤسسة الملك فيصل الخيرية.
قام الشيخ محمد الحركان برحلات عدة للدعوة إلى الله تعالى، وكان يشغل فكره كثيرا قضية الغزو الفكري، وتغيير فكر الأمة الإسلامية عبر مايبثه الأعداء من مواد إعلامية أو كتب تضر بالأمة الإسلامية، فكان كثيرا ما يحذر من ذلك أثناء سفره حين كان يؤم الناس ويخطب بهم الجمع، ويحث كثيرا على التمسك بالدين، والذب عنه، خاصة في البلاد التي فيها نشاط ملموس للعلمانية، وكان يسافر مرتين كل عام إلى عدة جهات من أفريقيا وآسيا وأوروبا، وقد قام بافتتاح المجس المحلي للمساجد في ماليزيا، وافتتاح المجلس القاري لمساجد آسيا والباسفيك في جاكرتا بأندونيسيا، وافتتاح المركز الإسلامي الجديد في طوكيو.
في عام 1395ه ترأس وفدا من المملكة العربية السعودية، واجتمع مع الوفد برجال الفكر في كل من باريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف وستراس بورغ؛ لشرح وجهة نظر الإسلام فيما يتعلق بالحضارة الحديثة وحقوق الإنسان في الإسلام ككل وحقوق المرأة بصفة خاصة، والتي أقرها الإسلام قبل بيان حقوق الإنسان الصادر من هيئة الأمم المتحدة بأكثر من أربعة عشر قرنا.
كان الشيخ حازما في أموره، دقيقا في مواعيده لايكاد يتخلف عنها، نشيطا في عمله، كما عرف بالنزاهة والأمانة، وكان لين الجانب مع الناس، ويقدر ظروفهم، كما كان شديد الاهتمام بأحوال المسلمين وشديد التأثر بآلامهم.
أصيب الشيخ محمد الحركان في آخر حياته بمرض السكر وأثر في جسمه، وفي آخر حياته صار يصاب بنوبات قلبية أدخل على أثر إحداها المستشفى، ثم توفي في السابع من شهر رمضان عام 1403هـ، وصلي عليه في المسجد الحرام عقب صلاة المغرب، كما أقيمت عليه صلاة الغائب في المسجد النبوي الشريف.
لكثرة انشغال الشيخ بأعماله العامة وأعمال الرابطة خصوصا، لم يتفرغ للتأليف رغم ما كان يحمله من علم، وقد ترك بعض المؤلفات التي ترجمت إلى عدة لغات عالمية ونفع الله بها، منها:
1- أحكام الجنائز في الإسلام من إصدارات رابطة العالم الإسلامي عام 1400ه، وقد طبع أيضا في دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع، وترجم إلى الانجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والروسية.
2- تعليم الصلاة للبنات ترجم أيضا إلى اللغات السابقة.
3- تعليم الصلاة للبنين وترجم كذلك إلى اللغات السابقة.
مصادر ترجمته:
1- المستدرك على تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1422ه. (257)
2- تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الثانية 1422ه.(2/201)
3- تكملة معجم المؤلفين محمد خير رمضان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1418هـ. (529-530)
4- علماء نجد خلال ثمانية قرون لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار العاصمة، الطبعة الثانية 1419ه.(6/317-325)
5- نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر وبذيله عقد الجوهر في علماء الربع الأول من القرن الخامس عشر ليوسف المرعشلي، دار المعرفة، الطبعة الأولى 1427هـ .(2100)
6- الجواهر الحسان، في تراجم الفضلاء والأعيان، من أساتذة وخلان. لزكريا بيلا. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، دراسة وتحقيق: عبدالوهاب أبو سليمان، محمد بن إبراهيم. 1427ه. (2/646-647).
7- مجلة المجتمع، العدد 627، ص19.
8- موقع رابطة العالم الإسلامي على الرابط: http://www.themwl.org/web/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AD-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%86
ترجمة خاصة لموقع علماء مكة من إعداد إبراهيم محمد